رحلة الشام

هوية الکتاب

اسم الكتاب: رحلة الشام

كاتب: مازني، ابراهيم عبد القادر

تاريخ وفاة المؤلف: 1949 م

مشكلة: سفرنامه

لسان: العربية

الناشر: الهيئه المصريه العامه للكتاب

مكان النشر: قاهرة

سنة الطباعة: 2008 م

نشرت: أولاً

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

شكر و تقدير

تحقيق لرحلة الشام أو رحلة الشتاء" كما أسماها" إبراهيم عبد القادر المازنى" عن مخطوطة كتبها المازنى بنفسه و علق عليها، و راجعها بقلمه عام (1936) و هى نسخة كتبها المازنى على الآلة الكاتبة بنفسه ثم راجعها بقلم مغاير. و قد سلم لى هذه المخطوطة ابنه محمد إبراهيم عبد القادر المازنى، ضمن ما أعطانى من مقالات لم ينشرها المازنى فى حياته.

لهذا وجدت من واجبى أن أسهر على هذا العمل النادر، و أن أعطيه كل الاهتمام، لأنه يمثل صفحة مشرقة من تاريخ العلاقات المصرية العربية فيما بين الحربين، بل يعكس النهضة الثقافية العربية آنذاك.

و لا أنسى أن أقدم وافر الشكر لابنه محمد المازنى الذى كان- رحمه الله- يسهم بوعيه فى نشر هذا التراث المهم، لوالده. لعلمه بمكانة المازنى فى تاريخنا الأدبى الحديث

د. مدحت الجيار

ص: 5

ص: 6

ص: 7

بين يدى القارئ رحلة الشام

ص: 8

النثر العربى غنى و متنوع، ممتد عبر كل عصور الأدب العربى.

حمل- مثله مثل الشعر- خصائص لغتنا العربية- و خصائص كل مرحلة حضارية يمر بها المجتمع العربى. و للنثر الأدبى: أنواعه، و خصائصه المميزة؛ و لكنه لم يأخذ حقه من الدراسة كما أخذ الشعر العربى. فقد وضعت الظروف التاريخية و الحضارية بعامة الشعر العربى كأهم نوع أدبى يكتبه الإنسان العربى خلال كل عصورها. مما جعل النثر يتوارى قليلا فى الحياة الأدبية، مقدما الشعر أمامه، حتى أن الأنواع الأدبية النثرية كانت تتوسل بالشعر ليزداد النوع النثرى تشويقا و جذبا لاهتمام القارى ء و المستمع على السواء.

و قد سبق فنا الخطابة، و الرسالة، فى بداية الأمر لاجتياج الحياة العربية إليهما. ثم أضيف إليهما ما لدى العرب من حكايات و حوادث تاريخية و سير شخصية. و تنطوى كلها تحت النتاج الشفاهى. الذى تغلب على ظاهرة النسيان الإنسانية، بما وضعه من تقسيمات و إيقاعات صوتية فى النص الأدبى النثرى. لتستعين به الذاكرة العربية و تستمع فى الوقت نفسه، بمقدار من البلاغة،

ص: 9

و الموسيقى، و وسائل السرد، و أنواع الفكر، و تعدد الموضوعات، حسب الغرض المطلوب و المتاح فى الخطاب النثرى، على اختلاف أنواعه و طرق تكوينه، و كما يقول أرسطو:" كل واحد من الناس يوجد مستعملا لنحو ما من أنحاء البلاغة، و منتهيا منها إلى مقدار ما.

و لذلك فى صنفى الأقاويل اللذين أحدهما المناظرة و الثانى التعليم و الإرشاد، و أكثر ذلك فى الموضوعات الخاصة بهذه الصناعة و هى مثلب الشكايا و الاعتذار و سائر الأقاويل التى فى الأمور الجزئية." و مثل المدح و الذم و الجميل و القبيح و الفضيلة و الرذيلة و غيرها من الأمور المجردة.

و ما يقال عن الخطابة يقال عن غيرها من أنواع النثر الأدبى.

أعنى ما قاله أرسطو" إنما يكون الكلام تم فعلا و أكثر إقناعا إذا رأى المخاطب به، إنه لم يبق فيه موضوع، و لا تأمل و لا معارضة، إلا و قد أتى بها ..".

لأن النوع الأدبى يحمل خطابا للآخر. و يحتاج إلى إقناعه و إمتاعه و توصيل رساله إليه.

و لقد أضافت سيرة النبى" صلى الله عليه و سلم" نوعا أدبيا مختلفا عن سير الملوك و الأبطال. كانت بداية لكتابة سير الصحابة و الخلفاء و الصالحين، ثم سير المشهورين و العظماء فيما بعد. ثم إن فن كتابة الرحلة نوعا أدبيا جديدا، يهتم بالسفر بين البلاد، مؤرخا و واصفا و ملاحظا.

و قد ثبتت أشكال بعض الأنواع الأدبية النثرية. و استطاع فن كتابة الرحلة أو أدب الرحلة أن يتطور مع الرحلة نفسها و بتطور الأسباب التى تدعو إليها.

ص: 10

و كانت الأنواع النثرية التقليدية قد أخذت حظها من الدراسة.

و كان لا بد أن نهتم بالأنواع النثرية الأخرى التى لم تحظ بعناية كأدب الرحلة.

و لا ننسى فى هذا السياق أن أدب الرحلة، أدب إكتشاف للذات و للآخر. للمكان و للزمان قديما و جديدا. فالرحلة كالمكتشف الذى يطارده سؤال دائم عن الإنسان و الزمان و المكان، فى كل مرحلة يصل إليها، أو يفكر فى الوصول إليها.

و هو ما دعا لتأليف الرحلة" لأدب الرحلة" و هذا ما جعلنا ندرس و نحقق" رحلة الشام لإبراهيم عبد القادر المازنى"، كنموذج تطبيقى لأدب الرحلة الحديث. فهو نموذج من نماذجه المتعددة و أحد مؤلفات المازنى المحتاجة للظهور بين يدى المتابعين و الدارسين للأدب العربى الحديث.

و كان لا بد أن يكون الاهتمام بأدب الرحلة مشفوعا بالاهتمام بنص من نصوص الرحلة العربية. و هو ما نجده فى هذا الكتاب. إذ يوضع الكتاب فى قسمين كبيرين:

الأول: دراسة لأدب الرحلة. و الثانى: يدرس كتاب" رحلة الشام" كنموذج لأدب الرحلة حتى يتحقق التوازن بين الدراسة، و التحقيق و التحليل. أملا فى أن يجد المتابع لهذا البحث توازنا آخر بين الاحتفاء بالمازنى و كتابه، و بين الاحتفاء بأدب الرحلة العربى، و بالآخرين الذين شكلوا رحلة الشام معه.

ص: 11

و سيجد المتابع خلال و حدات الكتاب و فصوله تفسيرا لتقسيمه على هذا النحو.

ص: 12

تصدير

هذا كتاب جديد لم يسبق نشره للأديب الكبير" إبراهيم عبد القادر المازنى" و هو يشمل رحلة الكاتب إلى الشام للاشتراك فى العيد الألفى للمعرى بالنيابة عن نقابة الصحفيين و بدعوة من المجمع العلمى العربى بدمشق.

و إنه ليسرنى أن أقدم هذا الكتاب الجديد إلى قراء العربية، و قد كتبه المازنى بأسلوبه الشائق الذى تفرد به بين كتاب العرب، لنواصل نشر وثائق الأدب العربى الحديث (حتى تكتمل). و عند اكتمالها، سنضطر إلى إعادة النظر فيما كتبناه عنه، و سيكون من واجبنا أن نراجع أحكامنا على هذه الفترة الثرية من تاريخ الأدب و النقد العربيين. فلقد توقف الاطلاع على هذه الوثائق فترة طويلة من تاريخنا المعاصر حين انشغلنا بالمذاهب و النظريات الغربية و الأمريكية و الروسية و الصينية، و لم ندرك أن التواصل مع هؤلاء الرواد هو جسر النجاة و الانتقال، فقد كانوا فى أيامهم على اتصال

ص: 13

مباشر بالفكر العالمى و الثقافة العالمية فى لغتها، و إننا اليوم نعيد الحياة الثقافية إلى حلقتها الطبيعية حتى تسلم الأجيال الرسالة بعضها إلى البعض الآخر.

" و أدب الرحلة» أدب قديم، و قصصه أقدم، يعود إلى قدم الوعى الإنسانى بهذه الرحلة و بأدبها الشفاهى منه و المدون. فعند ما خرج الإنسان إلى الصيد فى البر ثم فى البحر، و هو يقص على أهله و أصدقائه ما رآه، و ما عايشه، واصفا المواقف الحرجة التى تعرض لها، و هى مواقف تدور حول (ذاته) فى صراعها مع الطبيعة الخشنة البكر، و مع الآخرين.

و" الراوى" هو البطل بطبيعة الحال، فى هذا اللون من القص، إذ لا بد أن تتمحور الأحداث حول البطل الراوى، و لا بد أن يحسم الصراع لصالحه، ما دام قد عاد إلى ذويه، ذلك إذا لم يعد فقد ضاع ضمن ما يضيع كل يوم فى الحياة. و هنا لا بد أن يلون الحوادث و الصراعات و نتائجها وفق هواه، إذا لم يكن هناك شهود على ما حدث. و هذا التلوين هو نوع من التدخل بالحذف، أو بالذكر بالتحليل أو بالتفسير ليصبح بطلا أمام مستمعيه. و هذا العمل ما يصنع من الرحلة فنا متميزا تختلط فيه الرحلة بالسيرة الذاتية بالأحلام.

و لا بد أن يكون لمثل هذا اللون من القص قدرة خاصة على الحكى، و التذكر، و تنظيم معطيات الرحلة وفق رؤية خاصة هى ما تصنع خصوصية الرحلة، و خصوصية أسلوب كتابتها. و لقد دون صاحب الرحلة" طريقته الخاصة، و رموزه الخاصة وفق طريقة

ص: 14

التدوين الخاصة بكل جماعة و كل عصر إذ يمكنه أن يدونها بالتصوير، أو أن يتداولها بالحكى.

و الرحلة تختلف باختلاف الغرض منها، فهناك رحلة العمل، و رحلة البحث عن مصادر العيش لاستمرار الحياة، و هناك رحلات الاكتشافات و السياحة، و هناك رحلات الأدباء للتعليم أو للمشاركة الأدبية فى الندوات و المؤتمرات لمعرفة المجايلين لهم، و التعرف على أهل المهنة و أصحاب التخصص، و كلها- بلا شك- رحلات تحكى و تؤرخ، و يتوقف الحكى، و التاريخ على القدرات الصياغية و على الرغبة فى التسجيل و التوثيق، بل على التوجه الموضوعى أو الذاتى فى كتابة الرحلة كلها.

و يختلط هذا اللون من القص بما نعده من المذكرات و اليوميات، و ما نعهده من أدب السيرة الذاتية أو الترجمة الذاتية، بصرف النظر عن نوع المعلومة أو الرحلة. أعنى أننا نهتم بصياغاتها الفنية كنوع أدبى يتميز بخصائص فنية لا بد أن نجدها متوفرة فيه لنطلق عليه المصطلح الخاص به.

و لدينا نماذج عربية- فى تراثنا- لهذا الفن من كتابة الرحلات، كرحلات" ابن جبير"" و ابن بطوطة" و" المسعودى" و غيرهم ...

و لم تكن رحلات" إبراهيم عبد القادر المازنى" بعيدة عن طريقة الحكى العربية، بل هى قريبة مما تركه لنا الطهطاوى فى" تخليص الإبريز فى تلخيص باريز" أو ما تركه على مبارك فى" علم الدين".

إن هذه الرحلة تصنع تواصلا مع فن كتابة الرحلة فى تراثنا و فى تاريخنا الحديث على السواء.

ص: 15

و لكن المازنى يتميز عن هذه المحاولات التراثية و الحديثة، بالتعامل الفنى مع الرحلة، و صياغتها فى الشكل القصصى من البداية حتى النهاية، مراعيا بروحه الفكهة، و سخريته اللاذعة كونها حكاية. و هذا ما يستدعى دراسة خاصة لهذه الرحلة، و لغيرها من رحلات المازنى فى الحجاز و العراق.

لذلك يقف فن الرحلة عند المازنى متمايزا عما سبقه و ما عاصره. من كتابات السير الذاتية، و تدوين المشاهدات بل عن القص الذى يتخذ من تاريخ الشخصية و ملابساته مادة لعمل فنى.

فقد قام (إبراهيم عبد القادر المازنى) بثلاث رحلات، كانت الأولى إلى السعودية، و هى المسماة ب" رحلة الحجاز" و قد صدرت الطبعة الأولى منها سنة (1930 م) بمطبعة فؤاد بعطفة عبد الحق السنباطى بميدان الأوبرا بالقاهرة. و كانت الرحلتان الثانية و الثالثة مرتبطين؛ حيث خرج المازنى إلى الشام و منها تجاوز الحدود إلى فلسطين و العراق، لذلك نستطيع أن نقول إن رحلتى الشام و العراق- و فلسطين- واحدة تكمل إحداهما الأخرى. و لم تطبع رحلتا الشام و العراق فى حياة" المازنى" و قد حصلت على مخطوتين للرحلتين من محمد إبراهيم عبد القادر المازنى، تركهما المازنى مكتوبين على الآلة الكاتبة كما أشرنا من قبل.

و لما كانتا رحلة الشام هى الرحلة الثانية للمازنى بعد رحلة الحجاز، فسنقدمها قبل رحلة العراق، حتى نفرغ لها فى تحقيق تال فلدينا مخطوطة هذه الرحلة. و تتكون رحلة الشام من جزئين: الأول هو نص المازنى عن الرحلة إلى الشام حيث كان يحضر مهرجان المعرى، فى العيد الألفى لأبى العلاء المعرى، بدعوة من المجمع

ص: 16

العلمى العربى بدمشق، و ممثلا لنقابة الصحافيين، فى صيف 1944 م. أما الجزء الثانى فهو البحث الذى قدمه المازنى إلى مهرجان المعرى، و لقد نشر هذا البحث منفصلا عن الرحلة بجريدة" البلاغ (1943 م) و قد أشارت ببليوجرافيا السكوت الخاصة بالمازنى- و هى العدد الثانى من سلسلة أعلام الأدب المعاصر فى مصر. إلى أن هذه الرحلة قد نشرت فى" البلاغ" فى الفترة ما بين (11/ 10/ 1943- 23/ 11/ 1943 م).

كما أشارت إلى نشرها مسلسلة بعنوان" رحلة إلى الشام" فى سبع أجزاء متتالية بمجلة" الجديد" عام 1974 م فى الفترة ما بين (15/ 8/ 1974 م) ما أشارت الببلوجرافيا إلى ما نشر عن مهرجان المعرى بعنوان" فى مهرجان المعرى" فى" البلاغ" فى الفترة ما بين (11/ 10/ 1944 م- 23/ 11/ 1944 م) على فترات غير منتظمة، و الخطأ الواضح هنا هو تاريخ السنة، فقد ذكرها فى البداية (1944) و فى نهايتها (1943 م)، و الصحيح أنها (1943 م).

أما المخطوطة التى تركها المازنى- لنا- فهى عبارة عن سبع و ثلاثين صفحة من قطع الفلوسكاب. و قد قسمها المازنى إلى مقدمة يتحدث فيها عن أسباب قيامه بالرحلة (فى صفحتين) ثم تصوير الرحلة فى بقية الصفحات. و قد قسم الحديث عن الرحلة إلى ثمانى عشرة فقرة عالج فى كل فقرة منها فكرة مستقلة. و لا داعى للتفاصيل فى هذا التصدير، لأن الدراسة و التحقيق سيعطيان مساحة أكبر لهذه التفصيلات.

ص: 17

لماذا هذه الطبعة حول نص الرحلة و طريقة تحقيقها

اشارة

ص: 18

ص: 19

ص: 20

هذه هى الطبعة الأولى لرحلة الشام ككتاب مستقل محقق مدروس. فقد نشرت فى البلاغ فى فترة قريبة من زيارة المازنى لدمشق، ثم نشرت بعد ذلك مسلسلة فى مجلة الجديد، بشكل غير منتظم كما أشرنا فى التصدير. و لكن لم تطبع كلها فى مجلد واحد.

و لم تقم عليها، دراسة واحدة، على الرغم من أهميتها من الناحية الأدبية و الاثنو جرافية، فهى رحلة مفيدة للدراس الاجتماعى و المؤرخ الأدبى على السواء. إذ تحمل تاريخا أدبيا لفترة محددة بعدة أيام هى عمر المؤتمر الخاص بالعيد الألفى لأبى العلاء المعرى. و لكنها تعد توصيفا مهما لحالة الأدب و الثقافة بعامة فى عقد الأربعينيات، فى الوطن العربى بعامة. و فى العواصم النشيطة كدمشق و بغداد و القاهرة.

و هى رؤية شاهد عيان يرى بعينيه و يحكى ما حدث له و للآخرين أو مع الآخرين. و لذا كانت هذه الرحلة بمثابة وثيقة شاهدة مجسدة على حالة الثقافة و العلاقات الاجتماعية العربية فى فترة من أهم فترات العرب فى العصر الحديث، و أعنى بها فترة الخروج من

ص: 21

الحرب العالمية الثانية، و الحصول على الاستقلال، و صعود الحكومات الوطنية لتسلم السلطة فى البلاد العربية. و هى شاهد آخر على ضرورة التوحد العربى، حتى فى أحلك الظروف. فقد رأينا فى هذه الرحلة كيف يفصل المستعمر بين فلسطين و بقية العرب؟ و كيف يمنع بعض المثقفين من دخول فلسطين بأوامر من الأمن العام، بسبب مواقف هؤلاء المثقفين من قضية فلسطين و من بقية قضايا الوطن العربى، و القومية العربية، و الوحدة العربية آنذاك.

و لهذا فهذه الطبعة (الأولى- 1993 م) إضافة لتراث المازنى من ناحية. و للنشر العربى من ناحية ثانية، و لمعرفة العلاقات الثقافية العربية من ناحية ثالثة، و نظرا لهذه الأهمية، انقسمت هذه الطبعة إلى قسمين كبيرين: القسم الأول: خصص لدراسة" أدب الرحلة و تحولاته" ليوضح تاريخ هذا النوع الأدبى، و تحولاته، دون أن ينسى أهمية الدراسة الفنية و الجمالية لهذا النوع المتميز و المتصل مع الأنواع الأدبية العربية.

لهذا، قسم القسم الأول إلى فصلين: الأول: بعنوان" الرحلة، تاريخا و جغرافية و لغة". و يدرس مفهوم هذا الأدب، و تاريخه، و تطوره، و الفصل الثانى فقد خصص لدرس الخصائص الفنية لأدب الرحلة فهو فن له تقنياته الخاصة التى يجتهد فيها كل كاتب، و يختلف فيها عن الآخرين.

و بهذا ينتهى القسم الأول، و هو القسم النظرى، لندخل إلى القسم الثانى، الخاص بتحليل الكتاب (رحلة الشام) و تحقيقه.

ص: 22

و لأهمية هذا الجزء من الكتاب، لأنه المقصد النهائى من طبعه و دراسته و تحليله و تحقيقه. أخذ (القسم الثانى) من هذا الكتاب شكلا مختلفا عن القسم الأول. فقد قسم القسم الثانى إلى:

الفصل الأول:

و يختص بتحقيق نص كتاب رحلة الشام كما تركه إبراهيم عبد القادر المازنى، و قد حاول الباحث أن يخرج التحقيق فى صورة متميزة غير تقليدية. فقسم الكتاب إلى ثمان عشرة وحدة.

أعطى لكل وحدة تسمية تصفها مشتقة من المادة التى تعالجها هذه الوحدة كما حرص على أن يضع عناوين داخلية متنوعة تفيد فى تتبع الحكى و الحوادث، تساعد المتلقى على التغلب على استطرادات المازنى، و تداعياته الحرة التى تخرج من موضوع لآخر، داخل الرحلة، أو تستطرد إلى موضوعات خارج الرحلة وجد أنها تفيد سياقها. كما قيد هذه العناوين الداخلية فى عمل (فهرست) تفصيلى لموضوعات الرحلة.

كذلك حرص الباحث على تنظيم الفقرات داخل كل وحدة بطريقة تمكن المتلقى من المتابعة، و فصل كل فكرة عن الأخرى، و من ثم تحولت العناوين الكبيرة (الخارجية)، و الصغيرة (الداخلية) إلى وظيفة الإرشاد، و التلخيص، و المتابعة، و التوضيح. و لم ينس البحث- فى هذا السياق- أن يضبط بعض الأعلام و العبارات بالعلامات المناسبة، أو الأقواس، و وضع علامات الترقيم الأخرى لضبط الشكل الكتابى بين الكلمات و العبارات و الجمل، و كان المازنى قد تركها عند

ص: 23

كتابتها على الآلة الكاتبة غير موضحة. كذلك بذل الباحث بعض الوقت لمعرفة بعض الجمل المحذوفة أو التحقق من بعض العبارات الزائدة على متن الرحلة بخط اليد وضعها المازنى للتحقيق و المراجعة.

الفصل الثانى:-

لدراسة هذه الرحلة من حيث تحليل المضمون، و قد شمل هذا الفصل دراسة لمضمون الرحلة مزودة بتعريف الشخصيات و ما حولها من ظروف و أفكار و مؤلفات و تقسيم تفصيلى لرحلة الشام فى صورة فهرست تفصيلى لموضوعات الرحلة. و ينتهى الكتاب بفهرست تسبقه قائمة بالمصادر و المراجع التى اعتمد عليها.

ص: 24

القسم الأول أصول أدب الرحلة و تحولاته

اشارة

و لم تعطني الأيام نوما مسكنا***ألذ به إلا بنوم مشرد

و طول مقام المرء في الحى مخلق ***لديباجتيه فاغترب تتجدد

فإنى رأيت الشمس زيدت محبة***إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد

ديوان أبى تمام ج 2، ص 33 بشرح الخطيب التبريزى تحقيق محمد عبده عزام، دار المعارف، القاهرة، 1983"

ص: 25

ص: 26

القسم الأول أصول أدب الرحلة و تحولاته دراسة نظرية الفصل الأول:- الرحلة تاريخا و جغرافيا و لغة الفصل الثانى:- الخصائص الفنية لأدب الرحلة السرد، التقنية، اللغة.

ص: 27

ص: 28

الفصل الأول الرحلة تاريخا و جغرافيا و لغة

اشارة

المقصود بأدب الرحلة.

الجذور الشعبية لأدب الرحلة.

المرحلة الجغرافية السياسية (الإسلامية).

الكشوف الجغرافية الإسلامية و الأوروبية.

الرحلة إلى داخل الدولة الإسلامية و خارجها.

رحلات التبشير و الحروب الصليبية.

المحيط الهندى و البحر المتوسط.

الرحلة فى المفهوم العربى و الإسلامى و دواعيها.

مصطلح الرحلة.

ص: 29

ص: 30

(1) [المقصود بأدب الرحلة]

المقصود بأدب الرحلة، ما كتبه الكتّاب عن الرحلة بكل أنواعها، و طرقها، و أغراضها، سواء كتب- عنها- صاحب الرحلة، أو أحد آخر و سواء أكانت الرحلة عبر المكان الجغرافى أم عبر الزمان التاريخى و يدخل فى هذا الكتاب أدب الرحلة المتخيلة ذات المغزى الأخلاقى أو النفعى. و يدخل فيه أيضا- الرحلات الدينية و الروحية فالمهم أن نقرأ أو نسمع عن هذه الرحلة لنسميها" أدب الرحلة".

و لهذا يرتبط هذا النوع من الكتابة الأدبية، بوجود نص، يمكن الرجوع إليه و يحدد هذا النص العمق التاريخى عن تأريخ هذه الرحلة، و التعرف على خصائصها الفنية بخاصة، و الثقافية بعامة و يمكننا هذا النوع من دراسة تطور هذا النوع من الكتابة، و من الرحلة ذاتها، حسب الأدوات التى يستخدمها الكاتب و مدى وعيه بها.

ص: 31

فأدب الرحلة يمكن أن نجد له جذوره الشعبية و الأسطورية فى الحكايات و الأساطير و الملاحم و السير لدى الشعوب التى أنتجت هذه الأنواع. و لهذا كانت تسمى الرحلة آنذاك باسم القائم بها و ليس باسم كاتبها.

فرحلة" عوليس" هى رحلة" عوليس" و ليست رحلة" هوميروس" كذلك رحلة" إيزيس" فى بحثها عن جثة أوزوريس هى رحلة إيزيس و ليست رحلة كاتب أو مؤلف أو مؤلفى هذه الأسطورة، و رحلات السندباد البحرى فى ألف ليلة و ليلة هى رحلات السندباد البحرى و ليست رحلات المؤلفين الشعبيين الذين أنشأوا هذه الرحلات.

كذلك تغريبة" بنى هلال" فى سيرتنا الشعبية و هكذا.

و أسطورية و شعبية هذه الرحلات وراء اختفاء كاتبها- بالطبع- و ظهور اسم بطلها الأسطورى أو الشعبى و إن كانت الأسطورية هنا لا تتناقض مع إمكانية حدوث بعض حوادثها فى واقع الحياة كذلك و إن كانت شعبيتها لا تتناقض مع إمكانية حدوث هذه الرحلات أو بعضها. إنما يصدر الخلاف- هنا- من خلال الخصائص الأسطورية- الشعبية للرحلة القديمة عن الرحلة الوسيطة و الحديثة و المعاصرة حيث تختلف الخصائص الثقافية و الفنية و اللغوية و التقنية فى الأسطورى و الشعبى عن مثيلاتها فى الأدب معلوم المؤلف أو معلوم المصدر، لأنه يكون آنذاك أدبا ذا خصائص فردية و إن مازجه انعكاسات و تأثيرات هذا التراث الأسطورى- الشعبى و الخرافى فى أدب الفرد، المنسوب إلى اسمه و لهذا يغلب على هذا النوع من" أدب الرحلة" المنظور" الشعبى" الذى كتب به، و ما يحمله

ص: 32

هذا المنظور من خصائص إنسانية عامة و فنية و تقنية تكاد تكون ثابتة ترتبط بفن القص و السرد الشعبيين على مر العصور.

و تملك هذه النصوص- أيضا- خصائص إثنو جرافية، و إثنو لوجية 1 إلى جانب خصائصها التقنية الفريدة، فهى نصوص تصلح كوثيقة لتحليل علاقات الأفراد و الشعوب فى هذه الفترة البعيدة من تاريخ الإنسان.

و نستطيع أن نقول إن ما وصل إلينا- بلا شك- أقل بكثير جدا مما حدث و مما حكى و مما كتب، فقد ضاعت فى أغوار التاريخ حكايات و أساطير و سير للأبطال و الجماعات لم تصل إلينا، و لكنها تركت فى ذاكرة الشعوب مادة متوارثة، بقى منها ما اتفق مع أمزجتهم و ذوقهم و ثقافتهم.

و لهذا كانت المرحلة التالية فى الأهمية لأدب الرحلة أو الكتابة عن الرحلة، تلك الرحلات العربية المحددة الموسومة باسم صاحبها، فيما بين القرن الرابع الهجرى و التاسع الهجرى (العاشر و الخامس عشر الميلاديين) و هى المرحلة التى خلفت لنا كتب الرحلات فى تراثنا الإسلامى.

و هى الفترة التى شهدت السيادة الإسلامية على المحيط الهندى و تجارته. كما شهدت الحروب الصليبية ضد السيادة الإسلامية فى الوقت نفسه، و هذا ما جعل الرحالة المسلمين متوجهين إلى الأراضى الإسلامية بخاصة. فقد وضح الفارق بين الأنا و الآخر، فاستوجبت الدراسة من الفريقين المسلم و الصليبى لهذه الأرض

ص: 33

الإسلامية و لسكانها و لهذا نستطيع أن نسمى هذه المرحلة من الرحلة بفترة الكشف و المغامرة السياسية و الاقتصادية و العسكرية و الفكرية و الأدبية و لهذا:

كانت المرحلة الثالثة من الرحلة تتجه اتجاها نقيضا حيث تحولت من الشرق إلى الغرب الأوروبى بخاصة منذ عصر النهضة العربية و قيام الدولة العربية فى العصر الحديث.

ص: 34

(2) [الرحلة إلى داخل الدولة الإسلامية و خارجها]

و نستطيع هنا أن نقول أن الفترة التى شهدت هذه الرحلات المهمة كانت نتيجة للصراع العنيف بين السيادة الإسلامية صاحبة الحضارة المزدهرة الغنية و بين الحضارة الأوروبية التى سحب المسلمون البساط من تحتها ابتداء من سقوط روما و حتى بداية عصور الكشوف الجغرافية و بداية الثورة الصناعية فى أوروبا، و حتى سقطت مصر و العالم العربى فى قبضة الأتراك العثمانيين من الناحية الأخرى، أى من بداية سقوط العصور الوسطى الأوروبية و بداية العصر الإسلامى الوسيط ثم الحديث.

و لم يكن الرحالة العرب و المسلمون قادرين على هذه الرحلات إذا لم تتوفر لهم خصائص ذهنية و ظروف اجتماعية و اقتصادية تسمح لهم بذلك. فقد كان العصر الأموى (عصر توقف الفتوحات الإسلامية) و كان العصر العباسى- بالتالى- هو عصر (دراسة حضارة الشعوب و نقلها إلى الحضارة العربية الإسلامية) و كان

ص: 35

الرحالة المسلمون قد أخذوا قسطا كافيا من المعرفة عن الذات و عن الآخر على المستوى النظرى من الكتابات و الحكايات و الفتوح و الترجمات، و كان لابد أن تتحول هذا المعارف من النمط النظرى إلى النمط التطبيقى.

و ظهرت بدايات هذه الرحلات مع بدايات رحلات أوروبية للتبشير، ثم للتجارة، ثم للاكتشاف ثم للاستعمار، فقد شهد العصر العباسى الثانى (132 ه- 656 ه) مناوشات مستمرة من قبل أوروبا بخاصة. استمرت بعد ذلك فى شكل موجات عسكرية مستمرة حتى سقوط نجم حضارتنا على يد العثمانيين، و بالتالى كان محرك حركة الرحلة و الغزو محركا اقتصاديا و إن تزيا بأزياء عرقية أو شعوبية أو دينية مختلفة حسب الظروف فى كل فترة تاريخية أو عصر من العصور.

ص: 36

(3) [المحيط الهندى و البحر المتوسط]

و هذا الأمر يلفت النظر إلى أهمية المحيط الهندى الذى" يتميز ...

بامتداده الشاسع و بتعدد الشعوب و البلدان على شواطئه كما أنه المحيط الذى ظهرت على سواحله، و سواحل خلجانه أقدم الحضارات، باستثناء الحضارة المصرية القديمة، و لم يكن المحيط الهندى منذ القدم مياها مجهولة مثل الأطلسى (بحر الظلمات) أو الهادى، بل طرقه البحارة منذ آلاف السنين فكان شريانا للحياة بين شطآنه و طريقا مائيا كثر ارتياده، و لهذا أدى المحيط الهندى دورا عظيما يتضاءل بجواره دور أى محيط أو مسطح مائى آخر فى التواصل الحضارى و فى انتقال كثير من عناصر الثقافة و انتشارها على امتداد شواطئه 2.

و يعنى هذا أن العرب ثم المسلمين كانوا سباقين إلى المشاركة الحضارية لاقتراب بلدانهم من المحيط الهندى، إذ جعلهم هذا الاقتراب متحكمين فى طريق التجارة الوسيط بين العالم كله، فى

ص: 37

حين كان المحيطان الآخران (الهادى- الأطلسى) عائقين لأوروبا، و من ثم كان اقتصاد البلاد الإسلامية أكثر قوة من الاقتصاد الأوروبى و حضارتهم أنشط من حضارة أوربا خلال هذه الفترة.

كما يلفت النظر أن هؤلاء الأوروبيين فى كل تاريخهم الوسيط و الحديث كانوا يحاولون السيطرة على هذا الطريق الحيوى من أجل ازدهاره يرجونها لاقتصادهم، و بدل أن يتعارفوا مع سكان هذه المناطق من المسلمين راحوا يعدون الجيوش لغزوهم، لأخذ ثأر قديم، و أعتقد أن وجود قبضة إسلامية فى بلاد الهند و ما حولها قد حافظ على الدولة الاقتصادية للمسلمين فترة طويلة فى مواجهة الاختراق الأوروبى، و يفسر هذا الأمر ما رأيناه فى التاريخ الحديث من محاولات إنجلترا و فرنسا المستميتة للوصول إلى الهند و السيطرة على طرق التجارة و المواصلات بل يشرح ذلك لماذا احتلت الهند قبل مصر مثلا من إنجلترا و لماذا توجهت الحملة الفرنسية إلى مصر؟.

و لم يكن بعيدا- بناء على ذلك أن تنشأ الحكايات و الأساطير عن هذه المنطقة و عن كنوز الشرق و سحره و فلسفته و ديانته و سكانه لدى العقلية الأوربية المحرومة منها" فمن قائل إنها تأتى من الجنة، و قول آخر يذكر أن منابتها فى بلاد تحرسها الأفاعى ... و صار الشغف بمعرفة مكانها و السيطرة عليه ملحا إلى أن انتهى الأمر بالكشوف الجغرافية و السيطرة على مناطق تلك السلع 3. و خلوا كذلك إلى اكتشافهم لطريق رأس الرجاء الصالح و هذا ما يجعل الغرب باستمرار مصدرا للإزعاج و القلق للمشرق و للشرق. و كان ذلك وراء ما أشاعوه عن خوف العرب من البحر و المياه ليثبتوا

ص: 38

تفوقهم بعد آلاف السنين من تفوق العرب و المشارقة الأسيويين فى هذا السبيل، و قد أثبت المستعرب السوفيتى (بونداريفسكى) فى بحثه (العرب و البحر) أن سفر سفن فاسكو دى جاما من أفريقيا الشرقية إلى الهند لم يحالفه النجاح إلا أن الملاح العربى الفذ (أحمد بن ماجد) قد ساق السفن و قد عثر العالم السوفيتى شوم فسكى على مخطوطة أحمد بن ماجد" كتاب المنافع" و مما له دلالاته أن الملاح البحرى يعرب فى خاتمة كتابه عن أسفه المر لكونه فتح الطريق البحرى إلى الهند أمام الضوارى البرتغاليين 4 و قد أوضح العربى أحمد بن ماجد السبل و الطرق التى قاد فيها السفن البرتغالية. و واضح أيضا أن من يقرأ رحلات السندباد السبع بألف ليلة و ليلة يشعر بمعرفة هذه السندباد بهذه الطرق قبل فاسكو دى جاما.

ص: 39

ص: 40

(4) [رحلات المسلمين إلى الديار الإسلامية ...]

و قد اقتصرت رحلات المسلمين إلى الديار الإسلامية. و لم تخرج خارج حدودها، سواء أكانت الرحلة من المغرب و الأندلس إلى المشرق الإسلامى، أم كانت بالعكس و من ثم كانت الرحلة الأوربية فى المشرق خارج حدودها. و كانت أولى المحاولات لاكتشاف" منابع الثراء" كما كانت الحركة الصليبية التى امتدت خلال الفترة نفسها وسيلة أخرى للوصول إلى منابع الثراء، و لكن هذه المرة لم يكن الشرق كله يواجه فقد بعدت بلاد الصين و الهند و ما جاورهما أما العالم العربى فقد كان الطرف الذى وجهت إليه أوروبا الكاثوليكية عدوانها تحت راية الصليب، و على مدى الفترة ما بين أواخر سنة و كانت الحرب الصليبية أو حروب الفرنج كما سماها العرب الذين عاصروها سببا رئيسا من أسباب تعطل قوى الإبداع و النمو فى الحضارة العربية الإسلامية و بعد نهاية النضال ضد الصليبيين دخلت المنطقة العربية فى منحى التدهور و الأفول، الذى أدى بدوره

ص: 41

إلى سقوط العالم العربى تحت السيادة العثمانية 5 و بالتالى توقفت المشروعات الإسلامية و العربية و ليس مصادفة أن تتوقف أنواع أدبية و كتابية كثيرة منها أدب الرحلة و منها أن النموذج الإفرنجى/ الأوروبى تحول إلى نموذج جديد للتقدم، فى حين وقفت الثقافة العربية تجتر الماضى المجيد و تتحسر عليه، و تقوم بجمع و كتابة الموسوعات لتعويض الخسائر الفادحة فى كتبها و مخطوطاتها التى احترقت أو أغرقت أو سرقت أو طمرت بسبب الحروب الموجهة ضدها. و بسبب تحول النموذج الثقافى إلى نقيض الذات العربية و الإسلامية خلقت مشكلة العلاقة بين ما أنتجناه فى فترات غفلة أوروبا، و ما يجب أن تأخذه منها بعد فترات غفلتنا و هى مشكلة صيغت فيما بعد و فى معادلة الأصالة و المعاصرة أو فى شكل صيغة الأصيل و الوافد. لقد خبت شعلة الإبداع و الرحلة بالنسبة لما كان خلال العصرين الأموى و العثمانى. إذ يتباطأ تطور الآداب و العلوم العربية منذ بداية القرن الحادى عشر مع نمو حجمها و اتساع انتشارها و يضعف نشاط الترجمة ثم لا يلبث أن يخمد نهائيا.

و يمكن اعتبار ترجمة المؤلف التاريخى لأرسيوس من اللاتينية فى إسبانيا و تراجم (البيرونى) من السنسكريتية فى" غزنة" التماعات أخيرة لهذا النشاط، على أنها لم تؤثر تأثيرا يذكر على تطور الثقافة العربية ...... و تلاشى الاهتمام بما هو مكتوب باللغات الأخرى و ما وصلت إليه الشعوب و الحضارات الأخرى فى مجال الثقافة الروحية و توقف تدفق المعلومات من خارج حدود العالم العربى الإسلامى. ما عدا أخبار الرحالة عن مختلف الغرائب 6.

ص: 42

فقد بقيت الرحلة رغم شحوبها- تتجه نحو ثقافة الشعوب الأخرى من زاوية العجيب و الغريب كما يظهر فى عناوين كتب هذه الفترة المهمة من تاريخ ثقافتنا و مجتمعنا العربى الإسلامى و سوف تتكرر المشاهد السابقة- مرة جديدة- عند ما يحول العرب و المسلمون دفة التوجه من المحيط الهندى و البحر الأحمر و الخليج العربى إلى (البحر المتوسط) بفعل عوامل سياسية و ثقافية و علمية جديدة و ملحة منها محاولة النهوض الحديث بعد الكبوة العثمانية و منها ما رآه العرب بخاصة من نهوض حديث فى الحملة الفرنسية و المتمثل فى ظهور فرنسا كنموذج حضارى جديد و مؤثر على ما حوله و ما تحته من البلدان و العواصم.

ص: 43

ص: 44

(5) [الرحلة فى المفهوم العربى و الإسلامى و دواعيها]

تمثل الرحلة البرية و البحرية- إذن- الرحلة العربية الإسلامية. فقد انتقل العربى من التنقل البرى عبر الصحراء" إلى التنقل عبر البحار و المحيطات و لكنه شارك فى التراث الإنسانى برحلات أخرى روحية و فكرية و خيالية كما رأينا رحلة (الإسراء و المعراج) التى استوحى منها الكتاب الكثير من الأفكار، و مصدرها الوحيد، حديث النبى علية الصلاة و السلام كذلك رحلة (حى بن يقظان) من المولد بلا فكر إلى التعرف على الذات و الوصول إلى وجود الله. ثم رحلة أبى العلاء المعرى إلى العالم الآخر فى" رسالة الغفران" و كلها رحلات خاصة بالمسلمين و عقيدتهم.

و يعنى ذلك أن المسلمين كانوا تواقين إلى الرحلة فى كل اتجاه.

و كانت الرحلة البرية ثم البحرية مظهرا للرحلة الفاعلة فى نفوسهم و تكوينهم و خيالهم و روحهم يضاف إلى ذلك أن النظر إلى الآخرين فى الفكر العربى على أنهم" الأعاجم" الذين لا يبينون تحولت فيما

ص: 45

بعد الإسلام إلى النظر لغير العرب على أنهم" الموالى" ثم إنهم بعد ذلك" المولدون" و بذلك اختزن الرحالة هذه النظرية التى تفرق بين العرب و غير العربى، و التى تشعر بالسيادة و الغلبة على الآخرين و إذ كانت هذه السيادة أخذت شرعيتها من اللغة قبل الإسلام فإنها أخذت شرعيتها بعد الإسلام من مقولات قرآنية مشروطة مثل قوله تعالى" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر" و مثل قوله تعالى" إن الدين عند الله الإسلام".

و صبت هذه الأفكار العربية و الإسلامية فى نفوس الرحالة كتراكم تراثى مقدس- حكم نظرتهم إلى الذات و إلى الآخر.

" لهذا فنحن نرى أن ذهنية الرحالة المسلمين إبان هذه الفترة الأولى قد تشكلت- و لو بدرجات متفاوتة- فى إطار الشعور بالغلبة السياسية و الحضارية لأن الانتماء إلى ثقافة الفاتح و الحكم قد جعل- فى أغلب ظننا- الأساس الدينى/ العرقى/ الحضارى معيارا لوصف أغلب الأشياء- فى إطار مقولة التزيين أو التصحيح و فى الحكم على السلوكيات بما فيها من معتقدات و تقاليد و عادات فى ضوء أفضلية ثقافية" للذات" على ثقافة الآخر" أو" الغير" 7 و هذا ما جعلهم يتنقلون فى الديار الإسلامية بخاصة.

لأن دوافع الرحلة عند المسلمين تختلف عنها عند غيرهم.

فهناك جذر تراثى عربى يمتد من الرحلة العربية الأولى وراء الكلأ و الماء، و وراء الحج و وراء الغزو أحيانا و الشعر العربى حفى بهذه الرحلة و قد اتخذت هذه الرحلة شكل مقدمة ثابتة لوصف رحلات الخروج إلى البلدان المجاورة.

ص: 46

و اتخذت الرحلة سندا إسلاميا مهما فى القرآن و السنة للعظة أو للعلم فهناك آيات قرآنية كثيرة تربط الرحلة بعظة التاريخ و التعرف على آثار الأمم السابقة، و على ما آلت إليهم دولتهم كقوله تعالى" فسيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" و كقول النبى صلى اللّه عليه و سلم" اطلبوا العلم و لو فى الصين" و دلالة السياحة و التعرف على الجديد مشتركة بين المعنيين القرآنى و النبوى.

و لقد كانت الفتوحات الإسلامية تتطلب معرفة بالبلدان خارج شبه الجزيرة العربية. مما استدعى خروج الطلائع لتمهيد الطرق و التعرف على أحوال البلدان قبل فتحها" على أن دولة المسلمين قد فاقت إمبراطورية الرومان فى فتوحها و أملاكها و قد استلزم ذلك- عما كان هناك من قبل- كثيرا من طرق البريد و موظفيه، مما توجد تفاصيله فى الكتب العربية التى ألفت لإرشاد العاملين- فى تلك الناحية- من الإدارة الإسلامية و هذه الكتب هى أول ما كتب المسلمون فى وصف البلاد التى خضعت لحكمهم 8.

و تعددت أسباب الرحلة فى هذا السياق فقد" اقتضت أحوال البلاد الإسلامية أن تكثر الرحلات حين اتسعت رقعة الإسلام، و انشعبت سلطة الخلافة بين الملوك و الأمراء حتى استقل بعضهم بحكم ما ولى من البلاد إذ كانت عناية الخلفاء حينئذ منصرفة إلى توثيق عرى المودة بين أولئك الأمراء، ليقوموا بغارات على من يناوئهم من الأعداء، و قمع ما يحدث من الفتن فى داخل البلاد فجابوا البلاد لدراسة أحوالها و معرفة سهلها و وعرها، و جبالها و أوديتها و طرقها البرية و البحرية و ما تنتجه أرضها من أنواع الغلات حتى يجبى الخراج بنسبة ذلك و نظموا البريد و قاسوا الأبعاد 9.

ص: 47

و لا تقف الرحلة عند المسلمين عند هذا الحد، فقد تحولت الرحلة إلى علم تؤلف فيه المؤلفات المتخصصة و هناك رحالون قبل الرحلتين الشهيرتين لابن جبير و ابن بطوطة و هناك مؤلفات كثيرة قبلهما و بعدهما إذ تتعدد أسماء هؤلاء الرحالة أمثال:

ابن خردذابة (912 م) اليعقوبى (922 م) البلخى (432 ه) ابن حوقل (981 م) ابن جبير الأندلسى (1356 م) ابن بطوطة (1170 م) ابن سعيد المغربى ت (1274 م) و غيرهم.

و كتب و معاجم البلدان التى كتبت بعد رحلات كثيرة أمثال: معجم البلدان (1179 م) لياقوت الحموى الرومى و قبله أبو دلف بن المهلهل بكتابه (عجائب البلدان) و المسعودى بكتابه (مروج الذهب) 915 م.

و أبو الريحان محمد البيرونى بكتابه (تاريخ الهند) و أبو عبيد البكرى (المسالك و المماليك) و غيرهم.

و تمتد جذور الرحلة من هذين الجذرين العربى، الإسلامى إلى رحلات فتح الأسواق للتجار المسلمين و إلى دراسة أحوال الشعوب و أخلاقها.

ص: 48

ص: 49

دلالات المصطلح

ص: 50

يفرق الفكر العربى بين مفاهيم كثيرة للرحلة: كالسفر، و الزيارة، و الجولة. و لكن لم تنفصل هذه الرحلة عن علوم عربية قديمة و علوم إسلامية جديدة فللرحلة صلة بعلوم البحار و علوم الجغرافيا و الفلك و النجوم و هى علوم البيئة، إلى جانب الخبرات التى اكتسبها العرب ثم المسلمون من الأمم المجاورة لهم عبر البر و البحر، يعنى دراسة المكان و ما فيه من خصائص و ما يستجد عليه من عوامل طبيعية تؤثر على الرحلة و على الرحالة.

و قد بدأ الاهتمام (بالمكان) بكتب الأنواء فقد كان" عرب الجاهلية على معرفة بمبادئ علم الفلك و كانوا على علم أولى أيضا بالأنواء إذ كانت لديهم القدرة على التعرف على الأمكنة و أحوالها من غير دلالة عليها بالأمارات المحسوسة الدالة دلالة ظاهرة أو خفية ... فيستدلون على البقاع و هم فى بطون الفلوات 10.

و من ثم كان العرب أدلاء فى مجاهل الصحراء و فى الطرق البرية و البحرية، و كانت المصنفات الجغرافية الإسلامية فيما بعد امتدادا لهذه الخبرات العربية مضافا إليها ما عرفه العرب عن

ص: 51

الأماكن و الأجواء من الكتب العلمية المترجمة و بدأت هذه المصنفات بكتب الجغرافية الوصفية و هى معلومات تشكل جزءا من المؤلفات اللغوية تحت عنوان الصفات تبدأ من عصر المأمون بن هارون الرشيد بدأها (السدودسى المتوفى 195 ه) ثم (النضر بن شميل المتوفى 203 ه) و الكندى من الأوائل الذين كتبوا فى الجغرافيا و كان من رؤساء حكمه العلم اليونانى بين العرب 11.

و لهذا كانت الرحلة حلقة متسلسلة تراكمت فيها المعارف و تداخلت فيها العلوم حتى وصلت إلينا مكتوبة بطريقة يرضى عنها الذوق العام و ترضى- فى الوقت نفسه- ذوق صاحبها و يعنى ذلك أنها استقلت تدريجيا و خلصت مادتها من مختلف ذوق صاحبها. أى أنها استقلت تدريجيا كجنس كتابى أو أدبى متميز إذا أطلقناه، فهمنا منه شيئا محددا برغم اقتراب الدلالات من بعضها فيما تسمى بها الحركة الإنسانية عبر الزمان أو المكان. و لذلك حمل المصطلح فى ذاته تداخلات دلالية حتى أنه أطلق على أشياء، و موضوعات و حالات و صفات متعددة و من حقول دلالية و معرفية متعددة و مختلفة.

و الرحلة مصطلح يفيد الانتقال من نقطة إلى أخرى أى مغادرة مركز إلى مركز آخر و قد يفيد العودة إلى المركز الأول أو عدم العودة.

و لا يستخدم مصطلح الرحلة بمعنى السفر الجغرافى عبر المكان فقط، بل يشتمل على دلالات مجازية و رمزية أتاحت للمؤلفين- على سبيل المثال- استخدام المصطلح للدلالة على الرحلة الزمانية عبر الزمن مع ثبات المكان و الرحلة الروحية كما

ص: 52

يستخدمها المتصوفة و الرحلة الفكرية بين المذاهب و الأفكار أو بين مجموعة من الكتب أو مجموعة من الناس كذلك نجد الرحلة النفسية داخل الذات الإنسانية و كلها تخرج من مصطلح الرحلة فى دلالاته المباشرة و المجاوزة و الرمزية.

و يرتبط مصطلح الرحلة بالكشف، و الاكتشاف و يحمل دلالة المغامرة و الشقة حتى أصبحت كل حركة صغيرة أو كبيرة يمكن أن نطلق عليها رحلة، فتصبح الحياة رحلة و يصبح الموت (رحلة) و التاريخ رحلة و الاغتراب رحلة.

و قد تحمل دلالة الرحلة معنى السياحة و النزهة و الاستمتاع و لكنها بحسب الهدف المنشود منها، و الطرق و الوسائل التى تستعين بها يمكن أن تعطى دالات لا حصر لها حتى أنه يمكن تسمية الرحلة و وصفها بصفات و أسماء خاصة إذا عرفنا هدفها و ظروفها و وسائل تحقيقها.

فقد تعنى الشجاعة و الإقدام كرحلة الجيش أو الاكتشاف الجغرافى. و قد تعنى الهروب إذا كانت تبعد صاحبها عن تحمل المسئولية مثلا. و هكذا يمكن أن تتعدد الدلالات و المعانى لهذا المصطلح الفضفاض.

و هذا ما دعا الكتاب إلى تسمية مؤلفاتهم باستخدام مصطلح الرحلة بظلاله و هوامشه الدلالية. فنجد رحلة السندباد، رحلة ابن فطومة، رحلة إلى الغد، رحلة المستقبل الرحلة إلى الآخرين رحلة إلى الإنسان من الحنين إلى الجنان رحلة العمر، رحلة الأدب، رحلة النفس، رحلة الروح، الخ. و كلها تعنى الانتقال بين نقطتين عبر

ص: 53

الزمان أو المكان أو النفس و النفس أو شى ء آخر إنها تعنى (الحركة) فى النهاية أو التحول (بلا نهاية) أيضا و نجد فى لسان العرب أن (الرحل) مسكن الإنسان و ما به من أثاث و (الراحلة) ما تصلح للرحلة و الترحل- و الارتحال: (الانتقال) و هو (الرحلة، و الرحلة) (و الرحلة) اسم الارتحال و هو عكس الحلول و الترحل ارتحال فى مهلة 12 حيث أن مادة رحل و تقلباتها تدل على المسير و الانتقال مشروط بعده أو غير مشروط و أنها باستمرار (الرحلة) ضد الحل و الحلول و الاستقرار و نجد فيها أيضا (مادة رحل) دلالات التمكن و القدرة على الرحلة و لهذا نستشف من هذه المادة أن الرحلة مرتبطة بالمشقة و التعب لدى العرب الذين اشتقوا تقلبات هذه المادة.

و نجد أصداء متعددة لهذه الرحلة فى الشعر العربى الجاهلى و ما بعده فنسمع امرأ القيس قد طوف الآفاق و رحل فى كل واد يقول:-

فقد طوفت فى الآفاق حتى ***رضيت من الغنيمة بالإياب

- و لكن شاعرا آخر يعد كل الدنيا بلاده، بل البر و البحر ملك له و لقومه و إن زدنا- و من عليها- يقول عمرو بن كلثوم فى قصيدته النونية الشهيرة:

و أنا المانعون لما أردنا و أنا***النازلون بحيث شينا

ملأنا البر حتى ضاق عنا***و ظهر البحر نملؤه سفينا

لنا الدنيا و من أضحى عليها***و نبطش حين نبطش قادرينا

و يعنى ذلك أن العرب لم يخافوا السفر أو الرحلة إنما عمدوا إليها فى جاهليتهم و إسلامهم بل قلدوا الطبيعة فى تقلبها و كانت الشمس نموذجهم فى هذا السبيل لأنها تمثل حركة الزمان و ما

ص: 54

يحدث على المكان من آثار بل ما يحدث للبر و البحر و السماء و الجو و الإنسان من جراء ذلك. و نرى (أبا تمام) و قد لخص هذا الأمر فى حكمته الشهيرة عن (التجدد) بالرحلة كما تجدد الشمس بقوله:

و لم تعطنى الأيام نوما مسكنا***ألذ به إلا بنوم مشرد

و طول مقام المرء فى الحى مخلق ***لديباجتيه فاغترب تتجدد

فإنى رأيت الشمس زيدت محبة***إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد

(ديوان أبى تمام ج 2، ص 23) 13

و كأن الحل و الحلول ضد طبيعة البشر. و كأن الرحلة هى جوهر الحياة البشرية حتى أن الثبات يخلق وجه الإنسان بين قومه يجعله قديما باليا. و هنا تأتى مقولة أبى تمام و التى تحمل تناقضا بين نصفيها (فاغترب تتجدد) حيث يكون التجدد بمعاناة البعد و الاغتراب عن أنس الأهل و الأحباب كالتجدد الناشى ء للشمس من غروبها، و كالتجدد الناشى ء من احتراق طائر العنقاء و تجدد حياته بعد الموت بل بالموت و التناسخ و هذا معناه أن لذة الرحلة لا تقل بل تزيد عن لذة الحلول و الاستقرار لأن العربى (ثم المسلم) يعتقد- بمنطق التمايز و السيادة و الفصاحة- أن الأرض- له- يطوف آفاقها حتى أن رضى (من الغنيمة بالإياب) كما عبر- (امرؤ القيس) و حتى أن نزل حيث يشاء من البر و البحر بمنطق البشر كما صور (عمرو بن كلثوم) و لكنهم- جميعا- يعتقدون أن كل رحل سيعود إلى داره و أهله لأنهم يعون الزمان فى شكل دائرى و الرحلة فى شكل دائرى كالعجلة لابد- إن دارت- أن يعود أولها من أخرها.

ص: 55

و يرتبط مفهوم الرحلة هنا بالمكان و الزمان على السواء. فإذا كان كل شى ء يعود لأصله و بدايته فتصور الرحلة زمنيا يرتبط بها مكانيا أى أنها هى الأخرى مستديرة كدورة الأرض و دورة الشمس و دورة الفلك، و كان التجدد من ثم سمة أصيلة فى الرحلة و الراحل و أن الاغتراب نفسه علاج لسكونية الحياة المملة و قد تصور الفكر العربى و الإسلامى أن الزمان و المكان غير منفصلين و أن الزمان رغم أنه لا يعود إن مضى، فإنه يعيد نفسه فى ظواهر يومية و فصلية و سنوية تعيد للذهن الزمان و المكان و كذلك نلاحظ ارتباط الرحلة بتوقيت زمنى يعطيه الإنسان الأمل فى العودة و قد امتد هذا المفهوم لدلالة الرحلة الروحية و النفسية و الذهنية- حتى أن رحلة الموت لا تقف عند- مجرد الموت فإن البعث يعيد الحياة مرة ثانية و هذا ما جعل علوم الرحلة تفيد دراسة الزمان و المكان فى اتصالهما الكونى ابتداء من الجغرافيا و نهاية بالتاريخ.

ص: 56

هوامش الفصل الأول

______________________________

(1)- يعرف حسين محمد فهيم فى كتابه" أدب الرحلات" هذين المصطلحين بقوله" نبدأ بمصطلح الإثنوجرفيا ذاته لنجد أنه كلمة معربة تعنى الدراسة الوصفية لأسلوب الحياة و مجموعة التقاليد و العادات و القيم و الأدوات و الفنون و المأثورات الشعبية لدى جماعة معينة أو مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة و فى مقابل هذا المصطلح نجد مصطلحا آخر و هو الأثنولوجيا الذى يهتم بالدراسة التحليلية و المقارنة للمادة الاجتماعية الإنسانية من حيث أصولها و تنوعها، انظر:

حسين محمد فهيم أدب الرحلات، سلسلة عالم المعرفة رقم (138) الكويت، يونيو 1989. ص 49 و انظر أيضا ص 71، ص 68.

(2)- شوقى عبد القوى عثمان، تجارة المحيط الهندى فى عصر السيادة الإسلامية (904 ه)- (661- 1498 م) سلسلة عالم المعرفة. (151) الكويت يوليو 1990 ص 7.

(3)- المرجع نفسه، ص 9، 10.

(4)- بونداريفسكى الغرب ضد العالم الإسلامى من الحملات الصليبية حتى أيامنا، ترجمة إلياس شاهين دار التقدم الاتحاد السوفيتى موسكو الطبعة الأولى 1985 م ص 11 و انظر تفصيلات هذا الموضوع فى مقاله:

شوموفسكى الإبحار العربى بين صفحات 364- 407 و صفحة 398 بخاصة و هى التى يتناول فيها موضوعات كتاب أحمد بن ماجد و هذه المقالة ضمن كتاب: دراسات فى تاريخ الثقافة العربية، القرون (5- 15 ه) ترجمة أيمن أبو

ص: 57

شعر، دار التقدم موسكو 1989 و هو مجموعة دراسات صادرة عن معهد الاستشراق بأكاديمية العلوم فى الاتحاد السوفيتى.

______________________________

(5)- قاسم عبده قاسم، ماهية الحروب الصليبية سلسلة عالم المعرفة الكويت رقم (149) مايو 1990، ص 10، 11 و انظر ص 219 من الكتاب نفسه.

(6)- مقالة خالدوف، الثقافة الكتبية ضمن كتاب دراسات فى تاريخ الثقافة العربية السابق ص 238.

(7)- حسين محمد فهيم، أدب الرحلات ص 192.

(8)- رحلة ابن جبير دار الكتاب اللبنانى مقدمة محمد مصطفى زيادة ص 5.

(9)- رحلة ابن بطوطة دار الكتاب اللبنانى، مقدمه مهذب رحلة ابن بطوطة للمرحومين أحمد العوامرى و محمد أحمد جاد المولى ص 9.

(10)- ياسين إبراهيم على الجعفرى اليعقوبى المؤرخ و الجغرافى فى سلسلة دراسات رقم (213) منشورات وزارة الثقافة و الإعلام بغداد 1980- ص 184.

(11)- المرجع السابق ص 187.

(12)- لسان العرب مادة رحل ج 2، ص 208- 11611

(13)- ديوان أبى تمام ج 2، دار المعارف القاهرة 1983، ص 23.

ص: 58

الفصل الثانى الخصائص الفنية لأدب الرحلة السرد، التقنية، اللغة

اشارة

- متعة الحكى.

- متعة المشاهدة.

- متعة التعرف.

- الوظيفة التوثيقية.

- المقارنة.

- الرحلة تمثل صيغة الوعى.

- الرحلة الذاكرة/ الاختيار (التشكيل و الصياغة).

- الرحلة القناع.

- الرحلة الرمز.

- الرحلة.

- الطبيعية و الواقع فى الرحلة.

ص: 59

ص: 60

- متعة الحكى .....

" متعة الحكى" هى الخصيصة الأولى فى أدب الرحلة و هى متعة متشابكة يشتبك فيها ما هو ذاتى و نفسى بما هو موضوعى و اجتماعى بما هو فنى و جمالى و تبدأ متعة الحكى من الرغبة فى الحكى و سرد الذكريات و المواقف و الحوادث التى عايشها الرحالة، حتى يرتاح من عب ء هذه المخزونات النفسية التى تعرت فيها نفسه أمام الطبيعة فى قوتها من ناحية و أمام الآخرين عند الإحساس بالاحتياج إليهم، من ناحية أخرى، فالحكى وسيلة التخلص من أى مأزق أو شدة يقع فيها الرحالة.

و تزداد المتعة كما توغل الرحالة فى الحكى و السرد و التذكر و عقد الحكاية و فرعها، لأنه فى كل مرة يكشف عن جانب بطولى أو إنسانى فيها. و لهذا كان المتلقى عاملا مهما جدا فى إذكاء روح الحكاية و شهوة السرد لدى الرحلة أو كاتب الرحلة، إذ كما خاطب

ص: 61

وجدان المتلقى و أشركه معه و ضمن تعاطفه أو اشتراكه فى المصير، كلما يزيد الراوى من التفصيلات.

- متعة المشاهدة:

" متعة المشاهدة" تعود إليه عند إعادة سرد الحكايات و التفصيلات كما يفترض فيه" المتلقى" تحديد زمان الحكى و النقل الشفاهى و صدق الوصف و حسن الاختيار فهم (المتلقون) لم يشاهدوا و لم يسمعوا، و لم يغامروا، و من ثم لا يقف سرد الرحلة عند مجرد المتعة السمعية بل هناك المتعة الوصفية متعة قلب السمع إلى بصر، أى أن يصف لك الرحالة الشى ء بلغته كأنك قد رأيت و قد سمعت. فأنت تسمع لتشاهد فكل الحوادث (بصرية) و السمعى فيها يتحول إلى" بصرى" مرة أخرى لحظة أن يختزن فى الذاكرة ليدخل ضمن منظومة الخيال الواصف أو المصور يسترجعه الراوى فى كل مرة بنظام خاص و لكنه عندما يقيده" كتابة" يثبت عند شكل واضح و متميز الخصائص.

- متعة التعرف:

كل ما يحكيه صاحب الرحلة يحدث له لأول مرة- و هو الرحالة المكتشف- لهذا يسمعه المتلقى لأول مرة و بالتالى يقوى الجانب المعرفى، و التعريفى ليصبح من خصائص أدب الرحلة، و هى متعه معرفية تضيف خبرات و معارف" إثنية" عن جغرافيا الأماكن و أخلاق الناس، و عاداتهم و تقاليدهم و ثقافتهم.

ص: 62

- الوظيفة التوثيقية:

من أهم الجوانب الموضوعية فى أدب الرحلة أنه وثيقة تاريخية على مرحلة محددة من الزمان و المكان و الإنسان، فالرحلة حين يسجلها يعرف أنها ستقرأ فى كل زمان آت لهذا يتحرى جانب الصدق و الأمانة فى الوصف و الحكى لأن هذا الجانب يعرضه لنقد الناس أو نقمة الحال أو يتعرض- عند الكذب- إلى هذه الحالات جميعا ثم إن أصحاب البلاد التى زارها سيصفونه بالكذب و الخداع لأنه لم يكن أمينا على ما رأى.

و هنا- أيضا- يتعرض الرحالة لموقف صعب حين يصف وصفا سيئا لعيوب الجماعات الأخرى، المختلفة معه فى الدين أو الثقافة لأنه يصبح ذا منظور قاصر و ذاتى و اليوم و نحن نقرأ بعض رحلات الرحالة المسلمين تحسن جانب التعالى و احتقار من ليس من دينى و لغتى و هو أمر غير محمود، و هذا ما يبتعد عنه الرحالة العرب المتحدثون و يظهر هذا الحرص فى وصف الرحلات التى قام بها الأدباء العرب فى القرن العشرين فى البحر أو فى النيل فى أوروبا أو آسيا أو أفريقيا أو أمريكا فهم يصفون الجوانب المشرقة الجميلة التى تصلح كمتعة و معرفة و توثيق فى آن واحد، و كأن الكتاب المحدثين يشوقونا و يحببوننا فى هذه الرحلات و إن جاءت الصفات السلبية لديهم- بالقياس بما نحن عليه- ألحقت بقولهم أن لكل جماعة حياة و ثقافة و دينا.

أما حكايات الغرائب و العجائب و العفاريت و الجنيات و الشياطين فالمقصود بها جانب التشويق و الإبهار إلى جانب التوثيق، و هنا يختلف مصطلح التوثيق عن مصطلح التسجيل فعلى الرغم من

ص: 63

ضرورة توفر الصدق و الأمانة فى التسجيل إلا أنه لا يرقى إلى دقة و موضوعية التوثيق الذى بعد أن يسجل و يصف و يحلل و يناقش و يحاور هذه الأشياء المسجلة حتى يصل إلى حقيقتها و هنا تصبح التسجيلية التوثيقية إحدى خصائص أدب الرحلة فى القديم و الحديث على السواء تضاف إلى معارف المتلقين فيزدادون معرفة و خبرة و ثقافة لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس، و بكبد الرحلة و العشرة و تضيع السنين الطوال من العمر فبعض الرحالة قضى خمسة و ثلاثين عاما من الرحلة و هذا ما لم يستطعه أحد فهناك جانب التضحية بالنفس و الإحساس بالشهادة و هذا الإحساس يزيد من نفس المتلقى، إكبارا و اندهاشا من شجاعة هذا المغامر المضحى، فتزيد أهمية المعلومة التى يتلقاها و من ثم يحس (الراوى الرحالة الكاتب) بميزة نفسية و فكرية ثقافية على المتلقى لأنه رأى و سمع ما لم يروه أو يسمعوه و لا يتيسر لأى أحد.

- المقارنة:

و يقارن الرحالة و المتلقون فى الوقت نفسه ما يستمعون إليه بما هو حاضر لديهم فى نفوسهم و بلادهم و هى مقارنة يقصد منها معالجة القصور المعرفى الذاتى- الفردى و الجماعى لهذا تقوم هذه الرحلات بواجب أخلاقى هو تهذيب النفس و التواضع أمام اتساع الكون أمام نظر الرحالة و امتلاء الدنيا بالعجيب فى البر و البحر فى الناس و فى المخلوقات و الطبيعة يحس المتلقى ساعتها ضآلة نفسه و ضآلة موقعه الجغرافى أمام هذه البلاد التى لا تنتهى و يحس أنه قطرة فى محيط الخلق، و كم قامت مشاريع إصلاحية من جراء هذه

ص: 64

المقارنات فى عقول المتلقين لإضافة ما يفتقده الفرد و ما تفقده الجماعة من الجماعات الأخرى و هذا ما دفع إلى الاكتشاف المتجدد و تبادل المنافع و نشر الأديان.

و لا ننسى فى هذا السياق كم الغزوات و الحروب التى نشأت نتيجة هذه الرحلة أيضا فقد يطمع الحاكم أو القائد العسكرى فى هذه البلاد فيجهز الغزوة ليسيطر على قطعة جديدة ذات ثروة بعيدة و كما تثير الرحلة شهوة الاكتشاف و المغامرة تثير حس الطمع و الطموح فى الوقت نفسه، و كم سمع ملك عن ملك آخر من هؤلاء الرحالة فطمع فى ملكه بسبب ضعفه أو سمع ببلاده الجميلة أو خرج إلى هذه البلاد البعيدة ليأتى بمهر محبوبته أو رأس عدوه أو استرد ما أخذ منه أو أدب ملكا وراء البحار أو وراء المفاوز.

- الرحلة تمثل صيغة الوعى:

الرحلة مرحلة و مستوى من الوعى يتصل بما استطاع أن يصل إليه الإنسان من أدوات تختصر له الزمان و تقرب له المكان و تمكنه من إخضاع ما هو خارج الإنسان لما فى داخله و كلما اكتشف الإنسان أداة يزداد وعيه و كلما أحسن توظيفها ارتقى وعيه أكثر، و هكذا فالفترة التى اعتمد فيها الإنسان على الشمس و النجوم فى تحديد الجهات كان الطريق البرى و البحرى أنسب الطرق فى الرحلة و هنا خلعت صفات مناسبة على الرحالة تتخلص فى: القوة و الشجاعة و المروءة، و لما اكتشف الإنسان البوصلة و استطاع أن يتقدم فى علوم الرياضة و الفلك كان البحر أنسب الطرق لهذه الرحلة و أقصرها.

ص: 65

و بعد التقدم العلمى عقب عصر النهضة و ما آلت إليه فى القرون الثامن عشر و التاسع عشر و العشرين أصبحت الرحلة تتم برا و بحرا و جوا داخل إطار الكرة الأرضية لكنه (الإنسان) بعد أن اخترع سفن الفضاء و مكوك الفضاء، أصبحت الرحلة تتم عبر الكون و ليس حول الكرة الأرضية فقط.

و بهذا تنمو صيغة الوعى البشرى و الإنسانى و يصبح الإنسان سيد هذا الكون حقيقة و ليس أملا أو بشارة تبشر بها الكتب أن الوعى الإنسانى يرتقى باكتشاف الأدوات و طرق استعمالها يزيد من رقعة الوعى فى عقل و بصيرة الإنسان و لهذا تنحو الرحلة الآن مناحى كثيرة مختلفة عما كانت عليه من المحدودية بقدرات الإنسان الطبيعية فقد استمد الإنسان قوى إضافية من المخترعات و المكتشفات.

الآن يستطيع الإنسان أن يقوم برحلة فى أى مكان من الكون بواسطة الإنسان الآلى و التلفزة و الميكروتلفويون الخ. و يستطيع أن يشاهد الأرض و النجوم و الكواكب السيارة و هى تقوم برحلتها الزمنية الآلية على شاشات التليفزيون بالتلسكوب الألكترونى و من ثم تحولت الرحلة عبر الوعى إلى رحلة كونية بعد أن كانت تتم بالقدم و الدابة و المركب.

- الرحلة الذاكرة و الاختبار: (التشكيل و الصياغة)

تكتب الرحلة عادة بعد العودة منها أى بعد أن تتم و تكتمل و يعود صاحبها إلى أهله و وطنه. ثم يقعد لإملائها أو كتابتها و يعنى هذا

ص: 66

أنها مختزنة فى الذاكرة طوال الرحلة و العودة و يعنى ذلك أن عمل الاسترجاع و التداعى جوهر هذه الرحلة المحكية أو المكتوبة و من ثم فهى عرضة" للاختيار" و النسيان، و التناسى و هو ما يسمى عنصر الترتيب و الاختيار. و نظم الرحلة فى سلك لغوى متزن.

و هناك تصور عام يبقى فى ذهن كاتب الرحلة، فقد حدد أولها و خاتمتها و ألم بمشكلاتها و دون ملاحظاته و استوعبها بروية و تمعن و لهذا يقوم بترصد ما رأى مازجا إياه بما أحسه و ما فهمه و هنا تتداخل أساليب" الوصف" المباشرة التقريرية و الوصفية و التصويرية لأنه يضع المعلومة بجوار وصف تقريرى دقيق للمكان و الزمان و الإنسان و فى الوقت نفسه تتداخل مشاعره كما يتدخل تراثه و ثقافته الخاصة فى عملية الفهم و التحليل و التعليق و كان لابد- إذن- أن تتعدد طرق و أساليب الوصف و التصوير.

و من ثم يكون إهمال مشاهد و مسامع و ملاحظات من عمل العقل فى جانب الاختيار بالسلب بينهما يكون استحضار مشاهد و مسامع و ملاحظات من عمل العقل فى جانب الاختيار بالإيجاب لكن كتابة الرحلة هنا تستبعد التوهمات و الأمانى و إن كانت الرحلة تستوعب من الكاتب أن يدلى برأيه و أن يسقط من نفسه على النص و أن يزيح عن نفسه أيضا بعض الأمور دون أن يجور على موضوعية و توثيقية و حقيقة الرحلة فما التعليق و المناقشة و الاختيار و المقارنة و الموازنة إلا تدخلات الذات فى الموضوع للوصول إلى هدف موضوعى و ليس هدفا ذاتيا آخذين فى الاعتبار علاقة (الأنا) الحاكية (بالآخر) موضوع الحكاية أو بالآخر غرض الحكاية (المتلقى) كعناصر موجهة للكتابة فى الوقت نفسه.

ص: 67

- الرحلة قناع:

قد تتخذ الرحلة قناعا لبث فكرة خاصة كما نجدها فى الرحلة العقلية فى" رسالة الغفران" لأبى العلاء المعرى" أو" حى بن يقظان" لابن طفيل، فهى رحلة قناع من أجل الوصول إلى أهداف أخرى غير الرحلة و غير القص، منها التعرف على الذات و نقدها عبر معرفة الآخر من أجل إغناء الذات و تطوير قدراتها و ملكاتها و تحقيق مصالحها و لهذا تمتلئ بالرموز و الموثقات و تتخذ مما هو جزئى و محدود ما هو عام و مطلق و تجريدى و يدخل هذا النوع رحلتا علم الدين لعلى مبارك و تخليص الإبريز لرفاعة الطهطاوى.

- الرحلة الرمز:

كذلك تتخذ الرحلة رمزا على أشياء كثيرة حسية و روحية مثل" رحلة الإسراء"" و رحلة المعراج" و ما دار فيها من معجزات و خوارق و مشاهد و حوادث و أفعال تصب كلها فى أهداف أخلاقية تعليمية دينية.

و هنا لابد أن نشير إلى أن:-

كل الرحلات لها أهداف تعليمية و نقدية و أخلاقية و تثقيفية تتركز كلها حول ذات الكاتب و هنا تمتزج الرحلة بالسيرة الذاتية و بكتابة المذكرات و التأريخ الأدبى فى الوقت نفسه.

و تتداخل بذلك متعة (الكاتب الراوى و المتلقى) كوظيفة نفسية مع بقية الوظائف و الخصائص كاعتمادها على (القص/ الحكى/

ص: 68

الرواية/ السرد) و خصيصة وظيفة) التعرف و التوثيق و المقارنة و تمثيل صيغة الوعى الإنسانى و الاختيار و التداعى (التذكر الواعى) ثم يمتزج هذا كله بكون الرحلة قناعا و رمزا و فنا من منظور كاتب الرحلة.

(الطبيعة و الواقع فى الرحلة):

لقد كانت الرحلة المكتوبة عن رحلة قام بها صاحبها مناسبة مهمة لانشداد الفكر العربى تجاه الواقع و الاعتماد على (التجريب الحسى) و (الخبرة الفردية) التى تثبت لاسكونية الأشياء و لا محدودية الطبيعة أو كما يقول" إيان واط" عن ظروف نشأة الرواية الأوروبية و هو كلام يمكن أن نفسر به أهمية كتب الرحلة كبداية لنشوء فن الرواية العربية حين يقول:" لقد دأب الكتاب على تجسيد وجهة النظر هذه حتى القرن التاسع عشر إذ استخدامها خصوم" بلزاك" مثلا للهزء بانهماكه فى الواقع المعاصر- و الواقع يتنافى التبدل حسب رأيهم- و لكن فى الوقت نفسه- كان هنالك اتجاه يتنافى بدءا من عصر النهضة فلا حقا لإحلال الخبرة الفردية محل الموروث الجماعى فى إصدار القول الفصل حيال مسألة الواقع فهذا التحول يشكل كما يبدو قسطا هاما من الخلفية الثقافية العامة التى أدت إلى نشوء الرواية 1 فى أوروبا و عندنا نحن العرب فى الوقت نفسه إلا أن الفكر الأوروبى قد استطاع هذا التحول و وقفنا نحن مطمئنين إلى شعرنا و مقاماتنا التعليمية ثم سيرنا.

و لأنها رحلة تمثل جزءا من حياة صاحبها و من الزمن العام و المكان العام فهى رحلة تقوم على إعادة ما كان بأسلوب خاص يبدأ

ص: 69

من طريقة الكتابة إلى الحوار مع الآخرين ابتداء من حاكم المكان إلى سكان هذا المكان مرورا بالعلماء و الفقهاء و المحدثين و المفسرين و التجار و صاحب الرحلة يعيش مع هؤلاء فترات طويلة نفس حياتهم حتى يتأقلم مع حياة الآخرين و هنا تظهر الرحلة على أنها حوار و تقمص وجدانى فى أن واحد و هذه الخصائص كلها كانت كفيلة بكتابة الرحلة على أنها حكاية واقعية بالضبط كما حدث مع طبيعة بلزاك.

و يدعو هذا السياق إلى قول بعض الدارسين فى كون" أدب الرحلات أب الآداب جميعا" مثلها مثل السيرة و المسرح على سبيل المثال" لأنه يمكن أن يحوى كل فنون الأدب" إلى جانب العلوم الإنسانية الأخرى كعلم النفس و علم الاجتماع و التاريخ و الجغرافيا و الأنثروبولوجى. ففى نظرهم أن القارئ يجد فيه المقالة الموضوعية و النقدية و الوصفية كما يظفر بالترجمة الشخصية ... و فيه يجد القارئ متعة عند قراءة الحكايات التاريخية أو الأساطير أو تاريخ البلدان 2 و من ثم كان تطور هذا الفن الكتابى نحو تخليص القص من مباشرة الوصف و الغوص فى تفاصيل لا يربطها إلا المكان.

ص: 70

هوامش الفصل الثانى

______________________________

(1)- إيان واط نشرة الرواية، ترجمة عبد الكريم محفوظ، منشورات وزارة الثقافة سوريا، 1991، ص 12.

(2)- سيد حامد النساج، مشوار كتب الرحلة، مكتبة غريب، 1992، ص 100.

و انظر خصائص أخرى فى الكتاب نفسه ص 71، ص 81، ص 84، ص 85.

ص: 71

ص: 72

الدراسة التحليلية لرحلة الشام لإبراهيم عبد القادر المازنى نص كتاب رحلة الشام مزود بالعناوين و التراجم

اشارة

- رحلتا الشتاء و الصيف.

- عدم التدخل فى الشئون الداخلية لأى بلد.

- التمسك بالمصرية و المحافظة على سمعة مصر.

- درس فى القومية العربية.

ص: 73

ص: 74

مقدمة الرحلة كما وضعها المازنى

اشارة

أتيح لى فى الشهور الستة الأخيرة أن أقوم برحلتين طويلتين واحدة إلى الشام للاشتراك فى مهرجان المعرى أو عيده الألفى، بدعوة المجمع العلمى بدمشق و بالنيابة عن نقابة الصحفيين، و الثانية إلى العراق بدعوة من حكومته الموقرة لإلقاء طائفة من المحاضرات الأدبية. و كانت الرحلة الأولى فى الصيف و قد نشر" البلاغ" البحث الذى كنت أعددته لمهرجان المعرى و وصف ما كان فيه فلا حاجة بى إلى العود إلى ذلك، و كانت الثانية فى الشتاء و هى أطول و أحفل و لست أكتب اليوم لأصف شيئا مما كان فى هذه الرحلة الشتوية فإنى أهيئ لهذا كتابين أرجو أن يوفقنى الله فأخرجهما قريبا بعد أن أتلقى ما تركت فى العراق من أوراقى و إنما أكتب هذا الفصل لأعالج مسألة قومية.

ص: 75

و يحسن قبل أن أتناولها بكلام أن أقول إنى حرصت فى كل رحلاتى، و هى كثيرة على مبدأين: لم أحد عنهما قط، و إن كانت صلات المودة و الصداقة بينى و بين كثيرين من أبناء البلاد العربية الشقيقة تغرى بالتبسط و ترك التحرر و التحفظ، فأما المبدأ الأول:

فأنا لا أدخل فى أمر داخلى للبلاد التى أزورها أو أتطفل عليها بالخوض فى شئونها أو التعرض بخير أو شر لأحد من رجالها، و أما المبدأ الثانى: فأن أكون مصريا قحا لا يعرف غير مصر و لا يجعل باله إلا إلى سمعتها و لا يذكرها أو يسمح بذكرها أو ذكر أحد من رجالها بغير الخير و قد كلفنى هذا شططا و حمل أعصابى فى بعض الأحيان فوق طاقتها فما كانت أحوالنا فى كل حال بالمرضية.

و أنا رجل أوثر الصراحة و الحق على المداورة و المكابرة و لكن الواجب هو الواجب و من فضل الله أنى تعلمت و تعودت أن أقدم الواجب على الهوى.

و لعل أكثر المصريين لا يدرون أن مصر كتاب مفتوح تقرأه البلاد العربية صفحة، صفحة، و سطرا سطرا، و حرفا حرفا، و قد لا يدركون أن لبلادهم مقاما ممتازا و منزلة ملحوظة و أن صحفها تدرس- و لا أقول تقرأ- و تغربل و تنخل و لا يهمل منها حتى الإعلانات و أن القوم يعرفون أعلامنا واحدا واحدا و فى وسعهم أن يكتبوا لهم تراجم دقيقة مستفيضة و أنهم واقفون على أحوالنا و سير الرجال عندنا و مجرى الحوادث فى أرضنا وقوفا يدهش و يروع و يربك.

فى سنة (1936) كنت عائدا من العراق مع صديقى الأستاذ أسعد داغر 1 إلى شرقى الأردن من صحراء جرداء لا ماء فيها و لا

ص: 76

شجرة و أنا لنتلمس طريقنا فيها على حذر و إذا بسيارة مقبلة فلما لمح راكبها الطرابيش على رؤوسنا استوقفنا و أقبل علينا يسألنا عن المفاوضات المصرية الإنجليزية و ما يحتمل أن تفضى إليه، و هل يرجى لها نجاح؟ و لم نكن نعرف شيئا يجيز لنا أن نعرب عن أكثر من الأمل، فدعى لمصر بخير و مضى فجعلنا نتعجب لهذا الشيخ- فقد كان من شيوخ العشائر- و عنايته بأخبار مصر و دقة تتبعه لها.

مصر كتاب مفتوح

و فى هذا الشتاء كانت صحف مصر تتخطف فى بغداد و غيرها من مدائن العراق. و كان فى بعضها أسماء المرشحين فى الانتخاب لمجلس النواب، فكان أغرب ما فى الأمر إنى أنا المصرى لا أعرف شيئا عن معظم المرشحين على حين كان العراقيون لا تخفى عليهم من أمرهم خافية و قد جاء تقديرهم لاحتمال النجاح و التفوق و الإخفاق أقرب إلى الصحة من تقديرى فيما بينى و بين نفس- كنت فى هذا و ما إليه أتوخى أن أصغى إليهم دون أن أقول شيئا.

- و ما من كتاب ينشر فى مصر إلا و هو يلتهم التهاما فى البلاد العربية و هم لا يكفيهم أن يقرءوا و يدرسوا و لا يقنعوا إلا بأن يقفوا على بواعث التأليف أيضا و لماذا طبع فى هذه المطبعة دون تلك ...... الخ.

و فى سنة (1930) برز لى شاب فى صحراء الحجاز- عند وادى فاطمة- و سألنى" ألست المازنى"؟ قلت" نعم" فكيف عرفتنى؟ قال" عرفتك من صورة لك نشرتها مجلة الاثنين".

ص: 77

و ليست هذه سوى أمثلة قليلة من مئات يسهل سردها بلا عناء و الذى أريد أن أقوله هو أن على كل مصرى أن يذكر أن البلاد العربية مفتوحة العيون و الآذان و أن يحرص على أن لا يجرى لسانه أو قلمه بما يسى ء إلى سمعة مصر أو يغض من مقامها فى الشرق العربى.

و أنا كما يعرف القراء رجل لا أنتمى إلى حزب و قد نأيت بنفسى عن المعترك السياسى الحزبى منذ سنوات عديدة و ليس فى نيتى أن أعود إليه و لو أفضى ذلك إلى ترك الصحافة و إذا كنت قد ظللت متشرفا بالعمل فى" البلاغ" فذلك لأن صاحبه تفضل فترك لى رأيى و استقلالى لثقته أنه لا مآرب لى، و أن المصريين جميعا سواء عندى و إنى لا أغمط أحدا فضله و لا أضن بالتأييد و المناصرة على من يحسن. و قد قال لى: عراقى حكيم" يا أخى إن الله قد خلق لنا عيوننا فى وجوهنا لنرى بهما ما هو أملنا لا لنظل نردها إلى ما هو وراءنا أفليس خيرا للبلاد العربية أن تنظر إلى المستقبل و تنصرف عن الماضى بخيره و شره؟"

و ما أرى إلا أن كلمتى هذه ستغضب الناس جميعا و لكنها كلمة الحق و لست أبالى من رضى ممن غضب فليس هى أن يرضى الناس و لا أنا أخشى غضبهم فما لى عندهم مآرب فأحاسنهم أو أصانعهم، فإذا استجابوا لدعوة الحق فيها و لله لحمد و المنة و إلا فقد بلغت و برئت ذمتى و الله الموفق.

ص: 78

تكليف المازنى بالسفر كيف اختار موضوع البحث! (1)

كنت أحلم بأيام أقضيها على ساحل" بحر الروم" فى سكون ودعة و إذا بمجلس النقابة يفاجئنى و نحن مجتمعون فى دار البصير بالإسكندرية بند بى لتمثيله فى مهرجان المعرى. فقلت:" جاءك الموت يا تارك الصلاة فقد كنت أعود إلى المعرى من حين إلى حين، فأتناول من آثاره أقربها إلى يدى و أقرأ أبياتا من اللزوميات أو سقط الزند أو سطورا من الفصول و الغايات أو" رسالة الغفران" ثم أطوى الكتاب و أنتقل إلى سواه أو أروح أفكر فيما يشغلنى من أمور دنياى أو أترك له المكتبة كلها، و أجلس إلى نافذتى أطل منها على خلق الله فالآن صار على أن أحشد آثاره كلها و كل ما كتب فيه الأقدمون و المحدثون و أعكف عليها عكوف الدارس لا المتصفح

ص: 79

المتلهى، و سيستغرق ذلك وقتى كله فما بقى على السفر إلا شهر أو نحوه و سيصرفنى عن السعى و كسب الرزق بعرق الجبين، فإنى أعمل لأطعم و على قدر العمل يكون الرزق و ليس من العمل أن يجى ء المعرى بعد أن شبع موتا و فناء و استراح- و إن كان لم يرح- فيشق الأرض و يخرج لى منها ليقطع رزقى و رزق عيالى.

و استخرت الله و توكلت عليه و قلت لابد مما ليس منه بد فما كان ثم سبيل إلى الاعتذار مخافة أن يحمل على غير محمله أو يؤول بالعجز و القصور و إنى لعاجز و لكنه لم يبلغ من عجزى أن يعيينى أن أكتب كلمة فى هذا المعرى تقبل على التسامح.

و صارت المسألة هى" ماذا أكتب؟ و أى موضوع أتناول؟" و كنت أعلم أن أعلام الأدب فى البلدان العربية مدعوون إلى هذا المهرجان و كنت على يقين حازم أنهم لن يدعوا لى سم خياط أنفذ منه و قد دعيت من مصر وحدها جمهرة من أعيان البيان و أمراء النثر و الشعر، و أساطين البحث العلمى (أوف) و أساتذة الفلسفة و التاريخ (يا حفيظ) مثل العقاد 2 و طه حسين 3 و أحمد أمين 4 و عبد الوهاب عزام 5 و عبد الحميد العبادى 6 و أحمد الشايب 7 و ماذا يصنع صعلوك مثلى بين كل هؤلاء الملوك؟ ألا حيلة لى أردهم بها عن هذا المهرجان فيخلوا لى الميدان؟

و أصبحت يوما على أحب وجه لى و إذا بالتليفون يدق و العقاد يطلبنى و ينبئنى أنه ينوى الاعتذار و أنه مشغول بما يؤلف فلا وقت عنده للسفر فقلت لنفسى" يا فرج الله يا ما أكرمك يا رب" هذا و أحد بألف قد آثر القعود فخلت لى رقعة فسيحة يسعنى فيها- و القليل يكفينى- أن أجول و أصول و أصيح هل من منازل؟ هل من

ص: 80

مبارز؟ و أن العقاد لقدوة صالحة و أن المعرى لقدوة أخرى فما بارح بيته أربعين سنة و زيادة وردث على أهل العلم أسألهم عن" التعازيم" التى تزهد الناس فيما يراد تزهيدهم فيه، لعلى أستطيع أن أصرف طه و شركاه عن السفر فاستأثر بالحلبة كلها و خطر لى أن أحاول أن أبعث إليهم بموجة نفسية تنميهم على البعد فأوحى إليهم أن يقعدوا عن السفر و علمت أنهم ذاهبون بالقطار فقلت أذهب أنا بالطائرة و عسى الله أن يعطل قطارهم أليس الله يفعل ما يريد؟ ألم تمت أمى و هى عنى راضية و لى داعية؟ بل لقد تمنيت أن تسقط الطائرة فلا تقتلنى و لكن تكسر لى ذراعى فيكون لى هذا عذرا كافيا و مخرجا و سعيا من هذا المأزق و يتسنى لى أن أدعى إنى كنت أعددت بحثا أى بحث و لكن مشيئة ربى قضت أن أتخلف و لما كان قلمى عويصا و خطى رديئا و آلتى الكاتبة قد سطا عليها من سطا و لا بارك الله له فيها فإن من العسير أن أنيب عنى أحدا فى تلاوته.

و كان لابد أن أبلغ المجمع العلمى العربى بدمشق عنوان بحثى و العنوان آخر ما أكتب و أنا لم أكتب شيئا. فقلت: إن الله لم يخلق لى هذا الرأس الذى بين كتفى- عبثا- أبعث إليهم بأى عنوان يخطر لى الآن- و أحتاط فأقول فى كتابى إليهم إنى مندوب نقابة الصحافة المصرية و أنه يجب من أجل هذا أن يكون لى مكان ملحوظ بين ممثلى الهيئات فى هذا المهرجان، ثم أسافر على بركة الله و أعترض على كل مكان أوضع فيه، بين الباحثين أو الآكلين أو القاعدين أو الواقفين و أغضب و أثور و احتج باسم الصحافة المصرية على ما لحقها من هوان و أقاطع المهرجان و أذهب أتنزه على هواى و كفى الله المؤمنين شر القتال و لا بحث و لا يحزنون و لا وجع دماغ.

ص: 81

و من العجيب أن هذا الخاطر استولى على نفسى و استبد بها، فما تناولت القلم إلا قبيل السفر بيومين اثنين و كنت قد شبعت من القراءة و المراجعة و أشبعت المعرى و أوسعته ذما و نقمة أليس هو الذى جر على هذا العناء الذى كان بى عنه غنى؟ و لماذا عدت السنون التى انقضت على وفاته بالحساب القمرى؟ ولو عدت بالحساب الشمسى لبقى على تمام الألف ثلاث و ثلاثون سنة، و الله إنها لفكرة أذهب إلى القوم و أقول لهم أن إقامة المهرجان فى هذا الأوان غلط فى غلط و أن الشيخ عفا الله عنه يستقل عقلنا و يسخر منا فى قبره إذا كانت عظامه ما زالت باقية فيه، أو فى الجنة أو فى جهنم فما أدرى ماذا صنع الله به، و إنه لقادر على مثل هذه السخرية فإنه فى كتبه يعابث الملكين اللذين يحاسبان الميت و يسألهما أسئلة نحوية و لغوية.

و كان هذا كله منى عبثا لا خير فيه و لا طائل تحته فتركت الطائرة فلم تسقط و ركب إخوانى القطار فلم يتعطل و كان أول ما أصابنى مما يسميه الأستاذ الجليل إسعاف بك النشاشيبى 8" العناء فى سبيل أبى العلاء" إنى فقدت" قداحتى" قبل أن أركب السيارة إلى المطار و قد يستخف الناس بهذه الخسارة و إنها لخسارة هينة أهون بما ثمنه قروش و لكنى أستحيى أن أتقدم إلى من لا أعرف و أسأله أن يعيرنى عود ثقاب أو أن أبدأ بأى كلام فما العمل؟

كان العمل إنى ظللت إلى أن بلغت الفندق فى" دمشق" أضرب يدى فى جيبى لأخذ (1) سيجارة ثم أخرجها فارغة و إنى حرمت التدخين أربع ساعات و نصف ساعة فتأمل هذه الفاتحة.

ص: 82

الطائرة و المطار و الركاب (2)

و كان المطار يعج بالخلق و نظرت فإذا الطائرات المصرية شتى فتقدمت إلى الميزان فتبسم الضابط- و معذرة إذا كنت مخطئا فإنهم هناك جميعا يلوحون ضباطا و لا علم لى بدلالات هذه الأشرطة التى على الأكتاف- و لكن هذا لم يكن دورى، و على كثرة الناس و الطائرات و بعضها يذهب إلى" فلسطين" و البعض إلى" بيروت" أو" تونس" أو" دمشق" لم يكن ثم ضجة أو زحام و كان كل شى ء يجرى بنظام و فى سكون يوزن المسافر و توزن حقائبه فيحملها الخادم إلى (الجمرك) و يذهب المرء إلى مكتب الجوازات و منه إلى (الجمرك) ثم يخرج إلى حديقة صغيرة على هامش المطار حتى يدعى إلى طائرته.

ص: 83

و كانت طائرتنا (الفسطاط) ضخمة ذات محركات أربعة و لم أر أظرف و لا أرق حاشية، و لا أصبح وجها من الطيارين اللذين يقودانها و قد أسفت لأن الحياء منعنى أن أتحدث إليهما و أعرف اسميهما و كان حذقهما كفاء ظرفهما فكانت الطائرة تهبط فى كل مطار على الطريق فى موعدها لا تتقدم عنه ثانية و لا تتأخر و لم أشعر إلا بالراحة و الطمأنينة فاضطجعت و نمت فلما نزلنا فى (اللد) أو على الأصح فى مهبط قريب من مطار اللد قلت فى سرى" آه ... ماذا سيصنع بى هذا الرجل المنتفخ الأوداج القاعد فى خيمته؟

لقد عودتنى" فلسطين" فى السنوات الأخيرة أن تردنى عنها و أن تتلقانى متهجمة و لا تأذن لى فى الدخول إلا و هى كارهة متوجسة كأنى كتلة من الديناميت لا إنسان من اللحم و الدم.

ص: 84

محطة القدس بين" اللد" و" الرملة"

و قد حدث مرة أن دعتنى قبيل الحرب محطة" القدس" اللاسلكية- و هى مصلحة حكومية- إلى إذاعة حديث منها عن" النبوية" فقبلت مغتبطا و سافرت بالطائرة فلما وقفت أمام الموظف المختص بالجوازات رأيته يتردد و هو يختم الجواز و يراجع اسمى ثم يتناول كتابا أسود ضخما فينظر فيه ثم يدعونى أن انتظر فى المقصف أو حيث شئت و بعد ساعة أو أكثر يدعونى إليه و يعرب لى عن أسفه لأنه مضطر أن يأبى على الدخول و أن يعيدنى إلى مصر، ثم تفضل، فأنبأنى أن الطائرة القادمة من" بغداد" ستصل بعد ثلث ساعة ففى وسعى أن أستقلها إلى مصر.

فتعجبت لأن حكومته هى التى دعتنى فكيف تصدنى عن بلادها و أريته عقد الإذاعة، فهز رأسه و قال إن هذا ليس من شأنه و إنما تلقى أمرا فهو يمضيه.

ص: 85

قلت" أليس هنا تليفون" لأتحدث مع محطة الإذاعة و أبلغها الخبر فلست أحب أن تظن بى إنى أخلفت الوعد.

قال" بلى" فى الرملة تليفون و تستطيع أن تتحدث منه و تخاطبها و" الرملة"- فاعلم- على مسافة عشر كيلو مترات.

و كان إلى جانب غرفته، غرفة أخرى فيها مكتب لشركة مصر للطيران و بها تليفون، و لكنه آثر أن يبعث بى إلى الرملة على مسافة عشرة كيلو مترات. و اتصلت بمحطة القدس بعد لأى اتصلت هذه بإرادة" الأمن العام" فى" فلسطين" فعدلت عن المنع و أذنت لى فى الدخول فأقبل موظف الجوازات مهر و لا طافح البشر و السرور و لسانه يجرى بعبارات التهنئة لى.

قلت يا أخى؟ إنما التهنئة لكم دونى فما يعنينى أن أدخل أو أخرج و أن الأمرين عندى سيان و قد كان الطيران إلى هنا نزهة جميلة و أرى حفاوتك بى الآن عظيمة و كنت قبل ذلك تنسى أن على ذراعين من غرفتك تليفونا غير حكومى و لا تذكر إلا التليفون الذى فى الرملة فإذا كان لابد من الرد أفلا يمكن أن يكون بالتى هى أحسن دون التى هى أخشى؟ و ذكرت هذا الذى اتفق لى منذ ست سنوات أو أكثر فاشتقت أن يتكرر و ضاعف هواجسى و وساوسى أن موظف الجوازات الذى فى الخيمة صرفنى على أن يبعث إلى بالجواز فى الطائرة و لم يكن وجهه و هو يتأملنى يبشر بخير فانصرفت و أنا قلق و لم أستطع أن أذوق عصير الليمون الذى قدمته لنا شركة مصر بالمجان و لكن الله سلمّ. و عادت الطائرة إلى التحليق، و كنت راكبها الوحيد بعد أن غادرها الآخرون فى" بور سعيد" و اللد" فانتفخت و وضعت رجلا على رجل و لكننى شعرت

ص: 86

بالبرد و كنت أرتدى أخف ما يرتدى فى الصيف فتجمعت و نظر إلى الطيار الثانى و هو يبتسم وهز رأسه كأنما يريد أن يقول إنى مسافر بطائرة خاصة فأشرت إليه إنى مقرور، فخف إلى جزاه الله خيرا و حجب منافذ الهواء و جاءتنى ببطانية فشكرت و نمت.

و هبطنا فى مطار" المزة" على مسيرة دقائق بالسيارة من دمشق فإذا بأربعة حول منضدة يدور عليهم الجواز و يفحصه كل منهم و لكنى كنت مطمئنا فإن هذه دمشق لا اللد و سورية لا فلسطين و الأمر هنا لأهل البلاد لا لدعاة الوطن القومى و لم يخب ظنى فلقيت من رجال الجوازات و موظفى الجمرك التيسير و الحفاوة و لم يكن معى شى ء إلا ثيابى و إلا الكلمة التى أعددتها لمهرجان المعرى، و قد أظهرتها لهم و أطلعتهم عليها فتبسموا و تركوها لى فى الحقيبة وليتهم أخذوها. إذا لوسعنى أن أعتذر بأنها معهم و أنى لا أستطيع من أجل ذلك أن ألقيها، فأتقى سواد الوجه و لكن كل شى ء كان لمكيدتى فلا مفر من الفضيحة على ما يظهر بين هذا الحشد من أعلام الأدب و البيان و الأمر لله. و ليست هذه أول مرة أزور فيها" دمشق" فقد زرتها قبل عشر سنوات لا أراها قد غيرت منها كثيرا فما زالت كما عهدتها و ما انفك من عرفت من أبنائها كما كانوا كأن السن لم ترتفع بهم أو كأن شبابهم عليهم سرمد حتى من كانوا شيوخا يوم لقيتهم قديما، ظلوا مل ء بهاء و إشواق ديباجة فلابد أن تكون دمشق هذه قطعة من الجنة، أليست الأنهار تجرى من تحتها؟ أليس أهلها منها فى جنات و عيون" لهم فيها فاكهة و لهم فيها ما يدعون" يطاف عليهم بكأس من معين" بيضاء لذة للشاربين" و عندهم قاصرات الطرف عين" كأنهن بيض مكنون؟ آمنت بالله.

ص: 87

و كان أول من رأيت على باب الفندق صاحب مجلة الأحد- إيليا شاغورى 9- و هو صديق قديم أثير لولا أن يكره أن أصفه بالقدم و له العذر فإنه ناعم رفاف الشباب و الله وحده أعلم لما طوى من سنن و لعل قلبه الكبير المعطوف هو الذى يرقرق فى محياة هذا الرونق العجيب و لكن ألم أقل أن القوم فى دمشق لا يهرمون؟ و لمحت خلفه و على قيد أمتار منه أستاذ العربية الجليل" إسعاف بك النشاشيبى" أعلم من عرفت بلغة القرآن و أدبها و تاريخها و أغير من لقيت على دين محمد و الإسلام الصحيح.

فقال و هو يعانقنى" سل إيليا" ماذا تنوى الآن؟ .. قلت .." استوثق من الفوز بغرفة فى هذا الفندق الفخم ثم آكل فإنى أتضور". قال هنا؟ قلت" و لم لا" قال: أعرفك تحب الأكال الشامية و لن تجدها هنا فتعال معى" و ألححنا معا على الأستاذ إسعاف حتى أسلم أمره إلى الله ففزنا به.

***

ص: 88

وصف الحياة فى دمشق و مقارنتها بالحياة الاقتصادية فى مصر

رأيت عصر ذلك اليوم الأول أن أزور المجمع العلمى، فإنه هو الذى يقيم المهرجان و هو الداعى إليه، ثم لأن لى معه قصة فقد بعث إلى رئيسه الجليل الأستاذ" محمد كرد على" 10 قبل عام و نصف بكتاب تلو كتاب ينبئنى بأن المجمع اختارنى عضوا فيه فقصرت فى واجب القبول و الشكر أو هذا ما ظن القوم بى، فقد حمل إلى غير واحد من القادمين من دمشق عتب صديقى الأستاذ كرد على، أما الحقيقة فهى إنى ما قصرت و لا أهملت فقط كتبت الجواب و دسسته فى جيبى لأضعه فى صندوق البريد فنسيته و ما أظن به إلا أنه فى بعض جيوبى إلى الآن فإنى أغير ثيابى فيحرص أهل بيتى على أن يدعوا أوراقى حيث أتركها فإذا كان لابد من نقلها وضعوها لى تحت المخدات، أو فى حيث يسهل أن أراها و اكتفوا بتنبيهى فأقول لهم: طيب، طيب" و أعود إلى ما أنا مشغول به

ص: 89

و أنسى كل ما عداه كالعادة و تمضى الأيام و يعلو الكوم الذى تحت المخدة حتى يتعذر النوم المريح فاضجر و أتذمر و أروح أنفخ و أسخط و أقول" ألا يمكن أن أجد فى هذا البيت الطويل العريض و سادة لينة. فيقولون لى" إن الذنب للأوراق التى نحشرها تحت الوسادة لا للوسادة" فأصيح أنا الذى يحشرها أم أنتم الحاشرون؟ خذوها فأحرقوها و اصنعوا بها ما شئتم فما يعنينى إلا أن أريح هذا الرأس المكدود. لكأنى و الله عبد رق اشتريتموه أتعب لتنعموا بالخفض و الدعة و نضرة العيش و كل حظى بعد الجهد و المشقة دكه و وسادة كالحجر، فإذا شكوت قلتم هى الأوراق سبحان الله العظيم كأنما كان يمكن أن تعيشوا طاعمين كاسين مكفين لو لا هذه الأوراق.

و هكذا نسيت الجواب فضاع أو أكلته النار أو لا أدرى ماذا صنع الله به، فلابد من زيارة المجمع و الاعتذار إليه. و قال أحد الأخوان" و لكنك" لا تعرف الطريق إلى المجمع قلت" بل" أعرفه فإنه من المسجد الأموى قريب. و قال آخر" يحسن أن نطلب لك مركبة تحملك إليه و تتفق لك مع سائقها على الأجر سلفا" قلت" لا بأس" و جاءت المركبة و قيل للسائق احمله إلى المجمع لعلمى و زاد أحد الواقفين فقال للحوذى إنه عند مسجد دجنس- أو نجس فقد نسيت- فهز الحوذى رأسه و قال": تكرم" و رضى أن يكون أجره" ليرة" سورية أى مائة قرش سورى و هى تساوى أحد عشر قرشا مصريا.

و اضطجعت فى المركبة فسارت بى عشر خطوات و نصف خطوة و وقفت فسألت" ماذا جرى؟" قال" هذا جامع دجنس و هذا هو المعهد" فخطر لى أن لعل المجمع انتقل إلى دار أخرى فترجلت و أنا أتعجب

ص: 90

لماذا أبى إخوانى إلا أن أحمل فى مركبة لأقطع خطوات أتراهم ظنونى كسيح؟ و نظرت فرأيت مسجدا فيه" معهد شرعى" فقلت يا أخا إن هذا غير ما أبغى هذا معهد شرعى و أنا طلبى المجمع العلمى قال" إنما قالوا لى جامع دجنس و هذا هو الجامع و فيه المعهد" فأنقدته الليرة و أنا أحدث نفسى أن" روكفلر" 11 كان خلقا أن يتناهى به سوء الحال فى القفز إذا كانت كل عشر خطوات تكلفه ليرة و استغنيت عن المركبة و سرت على قدمى إلى" سوق الحميدية" و دخلت فيه حيث أعلم أن المجمع قائم فإذا به ما زال هناك و لكن لا أحد به غير بضعة حجارين ينحتون حجارة و يرصفون بعضها إلى بعض فى أرض الفناء. و خفت أن أستقل سيارة أو مركبة و أنا عائد فيتقاضى السائق أو الحوذى فوق ما حصلت معى من مصر من مال. و الحقيقة إنى لا أدرى كيف يطيق الناس هذا العيش فى الشام و لا من أين يجيئون بالمال حتى للكفية بمجردها؟

مسحت حذائى فطلب الرجل نصف ليرة أو خمسين قرشا- أو ما يعادل خمسة قروش مصرية و نصف قرش، فصحت به" تظننى؟

و لكنه أصر فلم يسعنى إلا التسليم و علمت فيما بعد أنه غلا و إشترطوا أنه كان ينبغى أن يكتفى بنصف هذا القدر أى بنحو ثلاثة قروش و حتى هذا لى بالزهيد. و احتجت إلى مناديل يباع الواحد من أمثالها فى مصر بعشرة قروش، أو نحو ذلك، فإذا الثمن هنا أربعون قرشا مصريا.

و سألت بعضهم:" ما أقل مبلغ تقدمه إلى خادم كلفته عملا؟" قال: قد يرضى بربع ليرة و لكن يحسن أن تجعلها نصف ليرة قلت

ص: 91

" بل سأعمل بقول القائل: ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك"- على الأقل كما تيسر ذلك و بخل فى الطرق. و صرت أحس كلما أخرجت محفظة إنى مليونير، فإن كل حساب لا يكون إلا بمئات القروش، و قد حاولت مساء يوم أن أحصى ما أنفقت فى نهارى فدار رأسى فقد أبلغ الرقم الآلاف. و أنا ما ألفت فى مصر إلا الآحاد و كان يخيل إلى كلما أنفقت ليرة و سورة إنى أنفقت جنيها مصريا فأقول فى سرى" يا خبر أسود" سأتسول هنا بعد ساعات فما العمل؟ و متى ينتهى هذا المهرجان فنعود مستورين بل متى يبدأ فيذهلنى عما أنا مسوق إليه لا محالة من العدم و الصعلكة؟.

و قد سألنى بعضهم عن الحالة المعاشية فى مصر فما وسعنى إلا أن أقول له من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته.

غير إنى بعد أيام ألفت ذلك فزايلنى الفزع و الجزع و أصبحت أغتبط بأن أدفع يدى فى جيبى فأخرج حزمة ضخمة من أوراق النقد و ارمى بالعشرات منها غير عابئ بها أو أسف عليها أو مشفق من عواقب الإسراف فتا لله ما أسرع ما يتكيف المرء- كما يقولون- و يألف كل ما كان يستهوله أو يستنكره.

و خرجنا فى المساء، بعد العشاء نتمشى فكانت ليلة لكن هذه حكاية تستحق أن أفرد لها فصلا قائما بذاته.

ص: 92

حكاية سامى الشوا (4)

أى نعم كانت ليلة و لا كالليالى و خير ما فيها أنها جاءت عفوا على حد قول الشاعر و أحسبه ابن الرومى:-

لم يكن ما كان شيئا يعتمد***بل أمورا وافقت يوم الأحد

سوى أن يومنا كان الخميس- أول أيامى فى دمشق- و كنا ثلاثة أو أربعة و كان رفقائى يتغيرون كلما مضى من الليل هزيع فيذهب قوم و يجى ء قوم، حتى يخيل إلى إنى كالزمن أو الدنيا يتبدل الناس و تتعاقب الأجيال و هى كما هى.

و ما كدنا نخرج من الفندق- فندق" أوريان بالاس" أو" خوام الجديد" على الأصح- و نسير خطوات حتى وقفت أمام بناء شامخ فسألت الإخوان" البنك السورى"؟ فقالوا" نعم" قلت هنا إذن يكون" سامى الشوا 12 قد وقف و بكى و عزف و جمع عليه الخلق.

ص: 93

قالوا: و كيف كان ذلك؟ فرويت له الخبر كما حدثنى به سامى نفسه قال إنه قدم دمشق مرة فاستوقفه هذا البنك الضخم و هو من الحجر الأبيض و لم يكن يعرفه فأنه البنك السورى فظنه سجنا و إن كان قد استغرب أن السجن فى قلب المدينة و أحدث أحيائها و لكنه حدث نفسه أن لعل المقصود العبرة و صوب عينه إلى البدروم- أو السرداب كما يسمونه فى العراق- و إلى نوافذه و عليها قضبان من الحديد فرأى فتيات كثيرات حسبهن السجينات فرق لهم قلب الكبير و اغرورقت عيناه بالدمع و أقبل عليه- أو على النافذة يعرب لهن عن أسفه و عطفه و هو يشهق و الدموع على خديه و كانت الفتيات ذكيات خبيثات فأبدين الحزن و تظاهرن بالبكاء فما كان منه إلا أن ارتد يعود إلى الفندق فحمل" كمانة" و عاد بها إلى النافذة واقعى على أطراف قدميه و راح يعزف لهم ليرفه عنهن فاجتمع عليه خلق كثير و هو ساه لا يرى إلا هؤلاء المسكينات و لا يعنيه إلا ما هو فيه أروع ما يكون عزف" سامى" حين تذهله عاطفة جياشة عمن حوله و تكاثر الناس حتى سدوا الطريق و عطلوا المرور و احتاج الأمر إلى تدخل الشرطة.

و قد ظل لا يعرف إلا أن هذا سجن للنساء حتى اجتمع بعض من رآهن و عزف لهن من الفتيات فى ناد من الأندية فأقبل عليها يسألها متى أفرجوا عنها فاستغرب الذين كانوا معها فضحكت الفتاة و قصت القصة و اعتذرت إليه.

ص: 94

حكاية نزهة العراقية

و استأنفنا السير- أو السرى على رأى المتحذلقين- فمررنا بمرقص أو دار له فيها غناء و رقص و ما أعرفنى قط عبأت شيئا بمثل ذلك- و لكنى قرأت على لوح كبير يعترض الطريق- فوق الرؤوس- اسم" نزهة العراقية 13. و هى فتاة رأيتها مرة فى بغداد فى أولى زياراتى للعراق فأعجبت بها، و توسمت فيها الخير و آنست من حديثها ذكاء القلب و مروءة النفس و الإخلاص. و لم تخنى فراستى فقد سمعت عنها بعد ذلك ما زادنى إكبارا لها. و قد أخرجت من العراق. و إن كانت تنسب إليه لأسباب سياسية فلما صارت فى الشام لاحقها سوء الحظ و سوء الظن بنزعتها السياسية فاعتقلت عاما و نيفا. و كان من عجيب تصريف الأقدار لأمور دنينا، أن ينجو رجال سياسيون من الاعتقال و تقع فنانة لا ينسيها الفن إخلاصها له و تخيلها لمطالبه و إن لها وطنا، و إن كانت لا تنزل إلى ميدان العمل.

ص: 95

و قلت لإخوانى" ما رأيكم؟ إنى اشتهى أن أدخل و أنظر إلى نزهة، فإن لها فى قلبى لنوطة ليست من العشق و العياذ بالله منه بل من الإعجاب ما أظنها تذكرنى أو تعرفنى حيث ترانى و ما يدرينى؟ لعلى أنا أيضا لا أعرفها إذا رأيتها. فدخلنا و كانت مقبلة من وراء المسرح فغمرونى و أشاروا إلى ناحيتها بلحظ العين و إذا بها تقف و تحملق ثم تعدو إلينا و تتناول كفى و تحيينى أجمل تحية و طالت الوقفة فدعوتها إلى الجلوس فقالت:

" نحن هنا فى مكة فلا يؤذن لنا فى الجلوس مع الإخوان" وتجهم محياها فسألتها و لكن؟ لماذا؟

قالت:" لأن الفن على ما يظهر شى ء زرى محتقر" فغيرت الموضوع و قلت" إنى مغتبط برؤيتك" و أتمنى لك كل خير و الآن إلى اللقاء أن شاء الله. و انصرفنا و لم نتلبث و سأعود إليها مرات أخرى فقد غمرتنى بكرمها و مرؤتها و طوقتنى بما لا يفى به شكر.

ص: 96

حكاية فخرى البارودى

و قال بعضهم" ما قولك فى زيارة فخرى البارودى 14.

و فخرى البارودى هذا أحد نواب دمشق و صديق قديم لى و أديب واسع الإطلاع و له شعر يتفكه به، و يعبث و هو فوق ذلك و قبله من أظرف خلق الله. و لو لا أن أظلم غيره لقلت إنه أظرف الناس قاطبة.

و كنت قد سمعت قبل سفرى إلى دمشق أنه يكتب بحثا يثبت فيه أن المعرى كان عالما بالموسيقى فاشتقت أن أطلع عليه، و إن كنت أعرف أن أبا العلاء المعرى أحاط بكل ما كان فى زمانه من علوم و فنون و آداب.

و أقلتنا سيارة إلى مكتب اتخذه فى زقاق قديم فدخلنا فإذا بستان صغير و إذا هو متربع فى حجرة كبيرة على مقعد عظيم رفيع كأنه العرش و أمامه منضدة طويلة عليها طوائف شتى من الكتب و الدفاتر و الأوراق المبعثرة و حوله عدد من رجال الموسيقى يضربون على العود و الكمان إلى جانبيه طبلة ورق ينفر على هذا تارة و تلك

ص: 97

تارة أخرى فسألته ما هذا؟ قال" يا سيدى" هذا لحن صيغ فى أبيات للمعرى. و نحن نضبطه الآن، و العزم أن يعزف فى مهرجانه- لبحث الذى سمعت به؟ قال فرغت منه و لكنى لن ألقيه فى المهرجان لأنه لا يلقى من الأفراد- دون ممثلى الهيئات إلا من كانوا أعضاء فى المجمع العلمى" قلت" خسارة" و أى خسارة و لكن شو بدك منى؟."

و انطلق يسح بما لا يروى. و يقينا فى سماع و سمر ليس أحلى منهما و لا أحلى للصدر أو أطفى للهم إلى ثانية صباحا فانصرفنا و تركناه لألحانه يسهر فيها الليل كله حتى يتنفس الصبح.

و قولت له و هو يودعنا بالعناق و القبلات ألا تزل فى ضلالك القديم؟

قال" شو بدك تقول؟ قلت" تحيى كل من تلقى بالعناق و القبلة عسى أن يكون أحد الوجوه صابحا بضا."

قال يا" مازنا اتق الله" قلت" اتق الله أنت يا أخى ألا تحلق على الأقل تخزنا بهذا الشوك الذى فى وجهك؟

فكر علينا يقول" يا عينى على الخدود الغضة مثل الحصيرة فانهزمنا.

ص: 98

مصايف سوريا (5)

اشارة

كان همى- و قد بت فى دمشق أن أرى كل ما تسنى رؤيته فى أربعة أيام فى دمشق ذاتها، و حولها و على كثب منها قبل أن يبدأ المهرجان فأشغل به عما عداه فزرت من مصايف الشام" الزيدانى" و" بلودان" و يبلغ علوها عن سطح البحر نحو (1650) مترا" و بقين" و فيها عين ماء من أحلى و أطيب و أنفع ما ذقت و" شتورة" من مصايف لبنان على الحدود السورية، و زحلة المشهورة بمائها" و عرقها".

و كنت أخرج فى الصباح فلا أعود إلا ليلا" و من أجل هذا سمانى إخوانى" الزواغ" فإذا سأل عنى سائل قالوا" زاغ" كالعادة حتى لقد أشيع فى اليوم الثانى من أيام المهرجان إنى سافرت إلى" اللاذقية" فى أقصى الشمال من و سورية فلما رأونى أعود إلى الفندق فى

ص: 99

مساء اليوم ذاته تعجبوا لى كيف استطعت أن أقطع كل هذه المئات- تقرب من الألف- من الكيلو مترات ذهابا و إيابا فى نهار واحد.

فقلت لهم مازحا ألا تعلمون أن عمكم المازنى قد أصبح من أهل الخطوة؟"

على أن للإشاعة أصلا تحور إليه، ذلك إنى بعد العشاء- فى أول أيام المهرجان- آثرت الجلوس مع الصديق الكريم العالم الجليل- الأمير مصطفى الشهابى 15 محافظ اللاذقية- فقال لى فيما قال إنه عائد من غد إلى اللاذقية ليعد لاستقبال أعضاء المهرجان فيها، و اقترح على أن أصاحبه و أبقى معه حتى يلحق بى إخوانى فأعود معهم و كانت التكاليف الرسمية قد ثقلت على بعد نهار واحد و ليس أبغض إلى منها فنازعتنى نفسى أن أقبل.

فقلت له" و ليس أحب من ذلك و لكن سألقى كلمتى فى" حلب" فما العمل" قال" نغير الترتيب فتلقيها فى اللاذقية"

قال" إذن يحسن أن نستشير" خليل بك مردم 16 (أمين سر المجمع العلمى) ففعلنا فلم يوافق خليل بك و قال أن حلب خليقة أن تثور إذا نحن فعلنا ذلك و قد كانت تسأله عنى و تستوثق قبل ذلك بدقائق و استشهد بالدكتور" أسعد طلس" 17 فأمن على قوله.

فعدلت مرغما و كان المقرر أن يزور أعضاء المهرجان فى صباح اليوم التالى آثار دمشق و قد زرتها من قبل فتخلفت عن مشاركة الإخوان فى هذا الطوف و قصدت إلى" بلودان" فكان أن شاع و ذاع إنى سافرت إلى اللاذقية.

ص: 100

- حفاوة الشام بوفد مصر:

و يحسن بى أن أقول إن وفد مصر- حكومتها و جامعتيها- كان موضع التكريم و التبجيل و كان أعضاؤه جديرين بكل ما لا قوه من حفاوة و إجلال و لو أن الخيار كان لى لما اخترت غيرهم و قد كنت مزهوا بهم فخورا بأنى منهم و هم منى.

- زيارة المجلس النيابى:

و حدث و نحن نزور فى صباح اليوم الأول دار المجلس النيابى أن جلسنا على مقاعد النواب، و كان المجلس فى أجازة. و كنت قريبا من الدكتور" طه حسين" و ليس بيننا إلا ممر ضيق هو الفاصل بين مقاعد اليسار و مقاعد اليمين فقلت للدكتور طه" هذا حال مقلوب كان ينبغى أن تأخذ مكانى و آخذ مكانك فإنى من أهل اليسار.

- طه حسين يلقى كلمة شكر:

و نظرت إلى الحائط المواجه لنا فرأيت ساعتين على الجانبين فأما اليسرى فمعطلة و أما اليمنى فدائرة تعد الدقائق و تقيد الساعات فحدثت الدكتور طه بذلك و قلت يظهر أن ساعة المعارضة معطلة هنا، و ضحكنا.

و فى هذه اللحظة أقبل بعضهم على الدكتور طه و انحنى عليه و أسر إليه فقال (لا يا حبيبى عليك بالمازنى) و التفت إلى و قال (قم يا مازنى و اشكرهم بكلمتين) قلت (أنا؟ يفتح الله يا سيدى إنى أولا لا أحسن هذا الضرب من الكلام و إن كان فى ذاته سهلا ثم أن صوتى خفيض لا يصلح إلا للمناجاة، و أهم من كل ذلك أنك تمثل هنا

ص: 101

حكومة بلادى فحقك التقديم و لا يجوز غير ذلك فأقتنع و نهض و قال خير ما يقال فى مثل هذا الموقف.

- زيارة مجلس الوزراء:

و انتقلنا من مجلس النواب إلى رياسة مجلس الوزراء فحيانا رئيس الوزراء بالنيابة-" لطفى الحفار بك" 18 أرق تحية و رحب بنا أجمل ترحيب فرد عليه الدكتور" مهدى البصير" 19 أحد ممثلى العراق- و إذا بمن عرفت فيما بعد أنه الشيخ" عبد القادر مبارك" 20 من علماء الشام و أعضاء المجمع- يصيح من أحد الأركان مرحبا مؤهلا و يقول فى ختام كلمته: أن من دواعى سروره أنه سمى" عبد القادر المازنى"

فمال على الدكتور طه و قال (عليك به فقد وقعت و كان ما كان) قلت (بل على جدى به فإنه سمى جدى لا سميى)

فعاد الدكتور طه يقول (يظهر أن المفاجآت ستكون كثيرة فما كان هذا كله فى البرنامج فيحسن أن تعد خطيتين أو ثلاث).

قلت (أما قلت لك إنك تمثل حكومة بلادى فأنت المكلف أن ترد على كل خطيب فى كل حفل و كفى الله المؤمنين- مثلى- القتال).

التقيت بالشيخ مبارك و نحن خارجون فقلت له (يا مولانا شكرا و لكنك سمى جدى لا سميى أنا فإن اسمى إبراهيم و أحب أن أبشرك اعلم أن جدى كان من المعمرين فعاش إلى ما فوق المائة).

قال (بشرك الله بالخيرات إذن سأكون أنا أيضا من المعمرين).

و هكذا نجوت من الرد على الخطيب و لم تكن حيلة احتلتها و إنما كان هذا واجبى فما يسعنى- خارج مصر- إلا أن أحرص على أن

ص: 102

أكون على قدر المستطاع مثالا لما ينبغى أن يكون عليه المصرى و إلا أن أعرف حق كل مصرى فأؤديه له و قد كنت مغتبطا بما يلقاه إخوانى من التكريم و التوقير و كلهم أهل لهذا و زيادة و كنت فى مجالسى الخاصة أزيد القوم تعريفا بهم و بأقدارهم لا لأنهم غير معرفين بل لأنه كان يطيب لى أن أرطب لسانى بذكرهم و لم أستغرب حين علمت إنى إنما كنت أفعل مثل ما يفعلون فكان الدكتور طه يسأل عنى و يتفقدنى فى كل مكان فإذا جئته قال (خفت أن تكون زغت أو ضجرت أو ساءك أمر خلك معى فإنى لا آمن أن تزوغ) فنضحك و روى لى غير واحد من أهل الشام كيف كان يذكرنى بالخير الأستاذ الجليل أحمد أمين بك و توثقت الصلة بينى و بين الأستاذ أحمد الشايب بسرعة و لم أكن قد رأيته من قبل و إن كنت أعرف آثار قلمه و أكبرها و أما الدكتور عبد الوهاب عزام و الأستاذ عبد الحميد العبادى فصديقان جزاهم الله جميعا خيرا الجزاء فقد رفعوا قدر مصر و أعلوا شأنها.

و أنقذنى الدكتور طه بلباقته من ورطة فقد سألنى بعضهم عن" حلب" ماذا رأيت فيها و كيف وجدتها؟ فقلت بلا تكفير (لم يتسع الوقت لشى ء و ما رأيت فى حلب إلا القلعة القديمة و مسجد الفردوس الأثرى و السوق المسقوفة المشهورة ثم المحافظ) فظنوها نكتة و تناقلوها فخفت أن تبلغ المحافظ و هو رجل فاضل فيسوئه منى هذا المزح الثقيل الذى لم أقصد إليه فما كان من الدكتور طه حسين حين بلغة ذلك إلا أن صدهم عن اللغط بهذه الكلمة و أولها أحسن تأويل فاقتنعوا و أمسكوا.

و ما أكثر ما أقال إخوانى المصريون من عثراتى و أصلحوا ما فسد بحماقاتى.

ص: 103

ص: 104

أربعة و أربعون عضوا فى المؤتمر احتفال بمقبرة المعرى (6)

اشارة

كان الاحتفال الذى أقامه المجمع العلمى العربى فى البلاد السورية بالذكرى الألفية لمولد المعرى- بالحساب القمرى- (مهرجانا) و لم يكن مؤتمرا أدبيا و كان الذى خطط له ذلك و اقترحه أمين سر المجمع خليل بك مردم الشاعر المشهور، و كان فخامة الرئيس السيد شكرى القوتلى 21 هو الذى يسر الأمر كله و أقنع الحكومة السورية بأن تمد المجمع بما يحتاج إليه من النفقة حتى لقد أعلن أنه مستعد أن يتحمل هو تكاليف المهرجان إذا لم تستطع الحكومة تدبير المال اللازم و كان من حسن الاتفاق أن أجمعت اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربى بالإسكندرية فى نفس اليوم الذى بدأ فيه المهرجان، فلهجت الألسنة بذلك، وعد هذا الاتفاق من

ص: 105

البشائر المؤذنة بالتوفيق و صار مدعاة) لمظاهرة عربية) بل لقد سمعت بعضهم يقول لصاحبه فى الطريق و نحن منصرفون من مقبرة المعرى: إن هذا من) كرامات أبى العلاء).

رحم الله الشيخ كان لا يعدم من يسلكه مع الزنادقة و الملاحدة و الكافرين فأصبح لا يعدم من يسلكه من أولياء الله الصالحين.

و كان قبره مهملا و عظامه ليست فيه- بليت أو نبشت من يدرى؟

فإن ألف عام حقبة مديدة من الزمن- فالآن جدد قبره و سور المكان و زرعت الأرض و غرس فيه الشجر و اجتمع عليه أربعة و أربعون من أدباء العالم العربى، و شعرائه و علمائه يقولون فيه و ليبدءون و يصيرون و جعل له دفتر تدون فيه أسماء زوار الضريح و قد استكتبونى كلمة فى هذا الدفتر.

كما استكتبوا سواى، فكتب ما معناه أن أبا العلاء لو كان داريا لما رضى عن زيارتى لقبره و لكنه لا حيلة لى فيما لعله كان خليقا أن يكره فإن يك هذا يسوءه فإنى أرجو أن يكون شفيعى أنه- كما يقول:-

ما باختيارى ميلادى و لا هرمى ***و لا حياتى، فهل لى بعد تخيير

و لو اتسع المقام لزرت إنى ما***زرت قبرا قط مذ رشدت و حدثونى

و أنا بالمعمورة- أن مستشرقا سأل بعض أهلها عن قبر أبى العلاء فنادى الرجل صبيا و قال له" انطلق بهذا الكافر إلى قبر الزنديق" و وجدت من عامة أهل المعرة من يسمى الشيخ" أبا على".

ص: 106

و قد تبينا من الحفلة الافتتاحية أن إلقاء ما عددنا من بحوث سيكون مشكلا عويصا فإن هذا كما أسلفت مهرجان لا مؤتمر و الوقت المحدد لكل قائل، نصف ساعة ليس إلا و الجمهور يطلب الكلام المؤثر. و كنت قد شاورت إخوانى قبل ذلك فأشار الدكتور طه بأن تلقى خلاصات لما أعددنا و أن ندفع البحوث المطولة إلى المجمع للنشر فى أوانه و قد فعل هو ذلك و فعله أيضا أحمد أمين بك و الأستاذ أحمد الشايب و الدكتور عزام، أما أنا فأقبلت على كلمتى أحذف منها و أختصر فما أجدانى هذا شيئا و خطر لى أن لعله كان الأوفق أن يكتفى بحفلة الافتتاح، و حفلة الختام، فيحضرهما الجمهور و يصفق فيهما لما يسمع على هواه، و تعقد فيما بينهما جلسات فى الصباح و المساء لإلقاء البحوث المطولة على الراغبين فى الاستفادة من طلاب الأدب و العلم غير إنى تبينت أثناء المهرجان أن هذا مستحيل، فإن لكل مدينة كبيرة من مدن الشام شخصيتها الخاصة و هى حريصة عليها، ضنينة بها و التنافس بينها قائم فلا معدى عن إقامة حفلات بها كالتى تقام بدمشق و إلا غضب و قد فكرت فى هذا و علته، فلما قمنا برحلتنا الطويلة إلى حمص و حماة و حلب و اللاذقية رأيت أن المدن متباعدة و أن الجبال و السهول تفصلها و العمران غير متصل بينهما فلا غرابة إذ أحست كل مدينة كبيرة أنها قائمة بذاتها و أن لها شخصيتها الخاصة التى تتميز بها و تنفرد على خلاف الحال فى مصر، فإن اتصال العمران بين المدن ينفى الإحساس بالاستفراد و تميز الشخصية و يجعل حياة كل بلد، متسربا فى حياة البلد الآخر، أما فى الشام فحلب مثلا هى حلب، و دمشق هى دمشق و لكل منهما خصائصها و هذا التميز ملحوظ

ص: 107

حتى فى تأليف الوزارات أحيانا مثال ذلك أن رئيس الجمهورية دمشقى، و سعد الله الجارى بك 22 الذى استقال من رياسة الوزارة منذ بضعة أيام حلبى و ليس هذا بمطرد فى كل حال و لكنى أراه يراعى أحيانا كما قلت.

بساطة العلاقات بين الناس:

و قد تعجب بعض الإخوان الذين لا يعرفون الديار الشامية الديمقراطية (القوم) و أدهشهم وراعهم انتفاء التكاليف الرسمية و إيثار البساطة و قلة الاحتفال بمناصب الحكم أو الاعتذار بما يصاحبها من جاه و سلطان و أبهة، فإنك تدخل على الوزير كما تدخل على الموظف الصغير، و لا تحتاج إلى أكثر من الاستئذان الواجب- حتى- بين الأصدقاء، فإذا انتهى العمل رأيت الوزير الكبير و الرجل الصغير- موظفا كان أو غير موظف يجلسان و يتسامران كأنهما ندان.

و لا عجب فى هذا فإنه روح الشرق العربى كله، لا فرق بين العراق و الشام و لبنان و فلسطين و الحجاز و نجد اليمن بل هى روح الإسلام الذى يجعل أكرم الناس عند الله أتقاهم، و قد عجز الحكم التركى الطويل عن مسخ هذه الروح و تشويهها. و روح الشام جمهورية بحت، فهى تسمح بالتحرر من كثير من القيود الرسمية و بإرسال النفس على السجية غير أن هذا لا يغرى بسوء الأدب أو قلة الذوق و ليس أحسن أدبا و لا أرق حاشية و لا أحرص على المروءة من أبناء العربية فى هذه الديار عامة و فى الشام خاصة، و قد يبلغ الخلاف و التنافس بينهم أشد مبلغ، فلا يورث التقاطع و التدبر و لا

ص: 108

يمنع حسن المواطنة و جمال المعاشرة و يقسو بعضهم على بعض فى النقد و مع ذلك يأتى بعضهم بعض و يتلاقون و يتفكهون كأنما الذى بينهم هو الود الصريح و الحب المحض و أحسب أن ذلك إنما كان كذلك لأنهم يدركون إدراكا صحيحا ما بين الواجب و الحق من صلة فلا ينكرون الحق على صاحبه و هم يتقاضونه واجبه، و لا يغلون فى نشدان الحقوق و يهملون الواجب و من هنا على ما أظن اعتدل الميزان و استقام الأمر.

مزية لشباب الشام:

و سرعان ما يبين المرء أن أهل الشام أكثر توافرا على درس الأدب العربى و التاريخ العربى من غيرهم من أبناء العربية و ما لقيت شابا هناك إلا وجدته واسع الإطلاع على الأدب و التاريخ و لعل إطلاعهم على الآداب العربية أقل و أضيق نطاقا، و عسى أن يكون المصريون من أجل ذلك أرحب أفقا و أصح إدراكا لحقيقة معنى الأدب، و لكنه لا شك فى أن شبابهم أكثر من شبابنا إحاطة بكنوز العربية و عناية بها و العربية هى لغتنا فلا مهرب من هذه العناية و تلك مزية جلية لأبناء الشام. و قد تجد شبابنا متعجلين يعالجون الشعر بغير آلة فلا يلقون تشجيعا و لا يسعهم إلا أن يقصروا و يفيقوا من حلم الشباب الذى أوهمتهم حيويته الدافقة أنهم يقدرون على كل شى ء بآلة أو بغير آلة.

ص: 109

ص: 110

أكلة علائية (7)

اشارة

بدأ" العناء" فى سبيل أبى العلاء على حد قول الأستاذ الجليل إسعاف بك النشاشيبى من أول يوم من أيام المهرجان فقد دعونا فى ظهر ذلك اليوم إلى موائد مثقلة بألوان شتى من الطعام كانت تلوح لنا من بعيد شهية فنتلمظ و نتمطق قبل الأوان فلما قالوا" تفضلوا ذهبنا نعدو، و إذا بواحد يشدنى من ذراعى و يقول:" هل تعرف أن هذه أكلة علائية؟" قلت" ماذا تعنى؟" قال:" كل ما تراه مطبوخ بالزيت- حتى الحلوى- و لا لحم من أى نوع" قلت"" أعوذ بالله".

فسألت و العمل؟ الزيت لا يوافقنى" قلت:" وهبه كان يوافقك فأين المعدة التى تحتمل أن تكتظ بهذه العشرات من الألوان المطبوخة بالزيت؟ لا يا سيدى يفتح الله تعال نؤلف حزب معارضة بل ثورة.

ص: 111

و قد كان- و صار حزب المعارضة قوامه الأستاذ إسعاف النشاشيبى و طه الراوى 23 و أحمد الشايب و العبد لله، و احتللنا طرف مائدة و دعونا عمال الفندق و أمرنا بلهجة حازمة أن يجيئونا بطعام آخر سائغ و لغظ القوم بثورتنا" الموافقة" و حسدونا و زعموا أنها فكاهة ظريفة و تظاهروا بأنهم لا يبالون بما يحشون به بطونهم من نار. و بعث إلى الأمير مصطفى الشهابى يقول: إن هناك إشاعة بأنى" سأرقصهم" بخطبة على هذا الطعام فكتبت إليه أقول أنهم سيحتاجون حقا إلى من يرقصهم طويلا بعد هذه الأكلة الشامية الشنيعة، و أكبر ظنى أنهم سيعدون بعدها فى عداد الموتى و يؤسفنى أن الله لم يؤتنى القدرة على إحياء الموتى و اعتزمت إذا دعيت إلى الكلام بكرهى أن أشكر طاهى الفندق الذى جاد علينا ببعض ما عنده و أنقذنا من هذا الهلاك،

و أن أبرئ" المعرى" المسكين مما توهم هذه الوليمة التى كانت ألوانها تعد بالعشرات و لو كان يأكل كما أكلوا لمات بالتخمة غير إنى لم أحتج إلى كلام ما لأنى بعد أن أصبت الكفاية زعقت كالعادة.

- عناء الرحلة بين المحافظات:

و كانت هذه الأكلة بداية المتاعب فقد حملونا فى صباح اليوم الثالث فى سيارات وضعوا كل أربعة منا فى واحدة منها فانطلقنا ننهب الأرض و نقطع (1250 كيلو مترا) فى ثلاثة أيام، و كنا ننام بعد نصف الليل و نستيقظ فى بكرة الصباح مع العصافير و لا نستريح فى النهار لأنا لا نكون فيه إلا على سفر أو على طعام.

ص: 112

و كان من حسن حظى أن كان رفقائى فى السيارة الأستاذ" ساطع بك الحصرى" 24 مدير التعليم فى سورية الآن و كان على عهد المرحوم الملك فيصل فى سوريا وزيرا فلما دخل الفرنسيون بعد معركة" ميسلون" خرج هو، و انتهى به المطاف إلى العراق فتولى أمر التعليم هناك و أشرف على الآثار ثم أخرج من العراق مع من أخرجوا من السوريين قبيل هذه الحرب فعاد إلى سوريا و عكف على التأليف فأخرج كتابة الضخم فى" ابن خلدون" و ثنى بمجموعة نفسية من المقالات و هو رجل واسع الإطلاع كبير العقل مستقيم النظر ساحر الحديث.

و الأستاذ العالم الجليل الشيخ" عبد القادر المغزى" 25 عضو المجمع العلمى بدمشق و مجمع فؤاد الأول للغة العربية بمصر و المصريون يعرفونه لأنه أقام بمصر زمنا قبل الحرب الماضية و كان يكتب فصولا اجتماعية فى" المؤيد" ينحو فيها منحى الأستاذ الإمام الشيخ" محمد عبده" 26 و من غريب ما حدثنى به المغربى فى هذه الرحلة أنه زارنى مرة فى" البلاغ" ثم انقطع عن زيارتى لأنه قرأ لى فصلا أشكو فيه من كثرة الزوار

فحسب إنى أعرض به و أشير إليه فأقصر فاستعذت بالله من هذا الخاطر.

و الأستاذ العالم الأديب" عز الدين آل علم الدين التنوخى 27 من أعضاء المجمع العلمى أيضا، و هو فوق ذلك محدث ظريف و شاعر لبق، يستطع أن يرتجل البيت و البيتين فى المعانى القريبة يمازح بها إخوانه و قد قال بيتين مدحنى بهما و نحن نتصعد و نتصوب فى الجبال و الأدوية و أوردهما على سبيل التسلية:

ص: 113

فقلت له يا أخى وقاك الله السوء و المسخ و التشويه ماذا فعلت باسمى عفا الله عنك؟ أنا احذف الألف التى بعد الراء لأنى أحس أنها تفقأ عينى حين أراها فتجى ء أنت فتثبتها و تحذف الألف الأولى؟ سبحان الله العظيم.

قال:" ضرورات الشعر"

قلت:" أكفنا شر هذا الشعر"

و كان ظن إخوانى إنى غير سعيد بهذه الرفقة و لكنى كنت على خلاف ما توهموا راضيا مغتبطا و لو خيرت لما اخترت غير هؤلاء السادة الأجلاء، فإن فيهم من البساطة و خفة الروح و صدق السريرة و سماحة النفس ما يحببهم إلى كل قلب و سرعان ما صار كل منا لصاحبة مألفة فكنا إذا هممنا باستئناف السفر، يبحث كل واحد منا عن أصحابه و ينتظرهم و لا يركب حتى يركبوا و كان حديثنا ذا شجون كثيرة بعضه جد و معظمه مزح و كان" الأستاذ عز الدين" لا يزال يستطرد من كل موضوع إلى ذكر الدروز- و هو منهم- و دينهم و عاداتهم و صفاتهم و مزاياهم و شعرهم فكنا نركبه بالفكاهة من اجل ذلك فصبر على هزلنا أحسن الصبر و أجمله حتى يخجلنا بسعة صدره و حلمه فنرتد إلى الرفق و المساناة.

و لما صرنا إلى" المعرة" دعانا" الحراكى بك" 28 إلى العشاء و كانت الموائد موقرة مما نطيق حمله و بما لا يطمع أشره أكول مبطان أن يلتهم أقله و لما أديرت علينا الفاكهة رأينا تينا أخضر الواحدة منه فى حجم البرتقالة الكبيرة و طعمه أحلى من العسل فقال الأستاذ إسعاف بك النشاشيبى (آه الآن وقفنا على سر المعرى و عرفنا لماذا

ص: 114

قنع بالتين فإن ثلاث تينات من هذه وجبة كاملة و لا حاجة لأحد بعدها إلى طعام آخر.

و خرجنا من" المعرة" فى نحو الساعة العاشرة مساء فبلغنا حلب عند منتصف الليل فأوينا إلى مخادعنا على الفور فأصبحنا فخرجنا للفرجة ثم دعانى إخوانى رجال الصحافة فى حلب إلى الغذاء معهم فزغت من المأدبة الرسمية و ذهبت معهم و قضينا ساعات فى ناد هناك كانت من أطيب ما مر بى فى هذه الرحلة و أحلاه، و خرجنا من هناك إلى ساحة مدرسة التجهيز كما تسمى على ما اذكر، و كان على أن ألقى كلمتى فيها فذعرت حين رأيت سعة المساحة فطمأنونى و قالوا أنهم نصبوا مكبرا للصوت و دعونى أول ما دعوا إلى الكلام فإذا مكبر الصوت لا يكبر شيئا لأن به خللا فلما مللت الصياح و بح صوتى، قلت لا فائدة من الاستمرار فما أظن أحدا يسمعنى و نزلت عن المنصة و بعد دقيقة أو نحوها قالوا: إن الخلل أصلح فعدت إلى الكلام و فى ظنى أنهم ما قالوا إلا الحق فلما فرغت علمت إنى إنما كنت أحدث نفسى.

و من الغريب أن مكبر الصوت صلح حالة و استقام أمره إلى آخر الحفلة فتذكرت مثلنا العامى (اللى مالوش بخت يلاقى العظم فى الكرشة) كان العزم أن أرجئ حكاية منعى من دخول فلسطين إلى أوانها و لكن جريدة" المقطم"- جزاها الله خيرا- تفضلت بكلمة طيبة مشكورة فى الموضوع أعربت فيها عن كريم عطفها على و استنكارها لما وقع لى، فوجب أن ابسط الأمر للقراء فإن فيه لعبرة.

كانت محطة الشرق الأدنى ممثلة فى المهرجان فخاطبنى مندوبها الفاضل فى أن أذهب إلى" يافا" و أذيع حديثا أدبيا أو

ص: 115

حديثين فترددت لأنى كنت معتزما أن أعود بالطائرة فى يوم الخميس الخامس من أكتوبر و لكنه أقنعنى و قال: إن فى وسعى أن أسجل الأحاديث فى" يافا" و استقل الطائرة من" اللد" فاتفقنا على أن أسافر إلى فلسطين فى الثانى من أكتوبر و اتفق على مثل ذلك مع زملائى الأساتذة الأجلاء" أحمد أمين بك، و الدكتور عبد الوهاب عزام" و عبد الحميد العبادى، و أحمد الشايب، و الدكتور أسعد طلس" غير أن موعد السفر تأخر إلى يوم الأربعاء لرغبة الأستاذ أحمد أمين بك فى الاستراحة يومين بعد المهرجان.

و خرجنا جميعا من دمشق ضحى الأربعاء فى سيارتين إلى" القنيطرة" و منها إلى الحدود بين الشام و فلسطين عند نقطة تسمى" جسر بنات يعقوب" و قد دفع إلينا الأستاذ: حمدى بابيل" 29 قبل سفرنا كتاب توصية إلى ضباط الحدود يعرفهم بنا، و يذكر أننا ذاهبون إلى يافا ضيوفا على محطة الشرق الأدنى لإذاعة أحاديث أدبية منها:

- إذاعة الشرق الأدنى بيافا:

و خرجنا من سورية و بلغنا نقطة البوليس على حدود فلسطين، فخرج لنا ضابط إنجليزى دفعنا إليه الجوازات. و أبنت له كتاب التوصية، فقرأه و ابتسم و أعاده إلىّ. و قال (خله معك فقد ينفعكم) و ختم الجواز بإذن الدخول بعد أن دعانى إليه و ألقى علىّ بعض أسئله لأنى صحفى و الصحفيون على ما يظهر غير مرغوب فيهم، و لكنه لم يثقل و اكتفى بالأسئلة و أجوبتها ثم و دعنا بلطف. تمنى لنا رحلة سعيدة. فانطلقنا حتى بلغنا ............ الجمارك، و فيها مكتب

ص: 116

لرجال الأمن العام، فأبرزت كتاب التوصية مرة أخرى للضابط فأخذه مع الجوازات و ارتد إلى غرفته، و بعد دقائق أعيدت جوازات زملائى إليهم، و دعيت أنا إلى مكتب هذا الضابط فضحكنا و قلت هذه آفة الصحافة.

و جلست أمام الضابط فسألنى عن مسقط رأسى و عن أبى و أمى فقلت له مازحا- إننى الآن لا أب و لا أم فقد ماتا رحمهما الله.

و نظر فى كتاب التوصية ثم فى الجواز و قال: إن اسمك فى كتاب التوصية" عبد القادر المازنى" و فى الجواز" إبراهيم ......"

فأدركت أنه يلتمس حجة يردنى بها فقلت له" يا سيدى" إنى غير مسئول عن كتاب التوصية معظم الناس يختصرون الأمر و يهملون اسمى الأول على أنك تستطيع أن ترمى كتاب التوصية فى السلة أو تهمله و حسبك الجواز و فيه اسمى كاملا و صورتى و هذا وجهى أمامك.

فانتقل من ذلك مناقشتى فى هجاء اسم المازنى بالإنجليزية فى الجواز فأدركت أنه ليس بالإنجليزى و إن كان يجيد الإنجليزية و بينت له أنه مكتوب كما ينطقه الناس عادة.

ثم قلت له" اسمع من فضلك" أنه يستوى عندى أن تأذن لى فى الدخول أم تمنعنى منه و لكن رجائى إليك أن لا تطيل و تضيع الوقت فإن إخوانى لا يستطيعون أن يستأنفوا السفر إلا إذا عرفوا مصيرى فلا تجعلنى سببا فى إتعابهم.

فقال: إنها مسألة دقائق ليس إلا فانصرفت و لكن الدقائق صارت ساعتين و زيادة. و كنا نجلس فى السيارة تارة و نتمشى تارة

ص: 117

أخرى و لا راحة فى الحالين. و قلت لإخوانى أن أكبر ظنى إنى مردود عن فلسطين فقال الأستاذ أحمد أمين بك" إذا لا إذاعة" و نسافر إلى مصر دون أن نعرج على محطة" يافا" فوافقه بقية الإخوان.

و قال الدكتور طلس" و أعود أنا معك إلى الشام" فحاولت أن أثنيهم عن الإضراب عن الإذاعة، أو أثنى الدكتور طلس عن الأوبة معى فأبوا كل الإباء و اتفقنا على اقتسام السيارتين فيأخذ أخوان واحدة، و نعود أنا مع الدكتور طلس فى الأخرى.

و أخيرا خرج علينا الضابط و قال لى إنه شديد الأسف و أن القدس أبت أن تأذن لى فى دخول فلسطين. و أنه يأسف مرة أخرى لأنه ليس عنده ما يركبنيه فى عودتى إلى الشام.

- العودة بلا دخول:

فطمأنته و قلت له" لا تخف على، و لا تحزن، فإن معى سيارة" فاطمأن و أظهر السرور، و أراد أن يلقى على أسئلة أخرى فقلت له:

و أما بعد رفض الدخول فلا سؤال و لا جواب و ما شأنك بى و قد رددتنى عن البلاد؟.

و هكذا رجعت مع الصديق الكريم الدكتور أسعد طلس. و لما بلغنا الحدود الأولى استغرب الضابط الإنجليزى لأنه كان قد أذن لى فى الدخول، و سألنى مازحا. أتراك ارتكبت جريمة؟ فقلت" ليتنى فعلت. إذن لعرفت السبب".

و صار الأمر مشكلا، لأن تأشيرة الدخول فى سورية انتهت بخروجى منها غير أن موظفى الحدودا لسورية كانوا من أظرف خلق الله و أرقهم فأعربوا عن عطفهم و أسفهم، و ألغوا" تأشيرة"

ص: 118

الخروج، و أرادوا أن يحتفوا بنا فاعتذرنا بضيق الوقت و بعد الشقة، و استأنفنا السير فدخلنا" دمشق" فى منتصف الساعة التاسعة ليلا، فإذا أمامى مشكل آخر: هو أن الفنادق كلها غصت بالنواب الذين جاءوا من أرجاء الشام لحضور جلسة البرلمان فى صباح اليوم التالى فأين أبيت؟ و علم الأستاذ الجليل إسعاف بك بهذا المشكل، فهمس فى أذنى أن بغرفته سريرا ثانيا لا ينام عليه أحد، و أن هذا يحل الإشكال إلى الغد، فهممت بالاعتذار لأنى أعلم أن الأستاذ إسعاف لا يطيق أن ينام معه فى غرفته مخلوق فكيف أنغص عليه رقاده؟ و أنا مثله أوثر النوم وحدى و لكنه لم يكن لى مفر من قبول ما تفضل به مشكورا.

و تشهدت، و قلت آكل لقمة فما طعمنا فى نهارنا شيئا يذكر، و إذا بخادم الفندق يسألنى عن حقيبتى أين هى لحملها إلى حجرة إسعاف بك فأخبرته أنها فى السيارة، و لكن السائق كان قد ذهب بالسيارة- لا أدرى إلى أين- و نسى أن يترك لى شيئا، و لا أحتاج أن أقول إنا وجدناه و أنه رد الحقيبة معتذرا عن سهوه.

ص: 119

ص: 120

الأمن العام فى فلسطين ضد المازنى تحت الحكم العسكرى الإنجليزى (8)

اشارة

و فى صباح اليوم التالى- الخميس- علمت أن المشكل أعقد مما كنت أظن، فقد كنت واثقا إنى أستطيع العودة إلى مصر بالطائرة و كل ما أحتاج إليه هو الانتظار حتى أجد مكانا فى طائرة عائدة و لكن الدكتور طلس زار القنصلية و معه جوازى ليسأل هل به حاجة إلى" تأشيرة" جديدة؟ فكان الجواب المزعج إنى ممنوع من اجتياز فلسطين برا و جوا لأن الأمن العام فى فلسطين هو الذى منع دخولى .. فكيف أعود؟ أأقطع البحر الأبيض سباحة؟ و خطر لى أن الحل الوحيد- إذا أخفقت المساعى الكثيرة التى بذلتها الحكومة السورية- هو أن أذهب إلى العراق و من ثم إلى نجد فالحجاز فمصر فأعود على الأرجح مع الحجاج.

ص: 121

و قد كان القنصل الإنجليزى كريما غاية الكرم فأرسل برقية إلى القدس ورد فيها برسالة مستعجلة و لكنه لم يتلق جوابا قط، و كان كل امرئ فى دمشق معنيا بى، و بتهوين الأمر على، و سرنى على الخصوص قول فخامة الرئيس حفظه الله أنه سيكلف الحكومة أن تكتب رسميا إلى حكومة فلسطين تشكر لها أنها ردت المازنى إلى الشام.

و همت صحافة دمشق بحملة على حكومة فلسطين فرجوت منها أن تتريث حتى نتيجة المساعى المبذولة من جانب الحكومة السورية و جانب القنصل البريطانى.

و حاولت الاتصال بمصر مرارا فلم أفلح و بعثت ببرقيات شتى إلى البلاغ و إلى بيتى بتوقيع الدكتور أسعد طلس و غيره من السوريين فلم يصل منها شى ء إلى اليوم و لم أبعثها باسمى لأن جوازى كان فى القنصلية البريطانية و البرقيات لا تقبل من الغريب إلا إذا أبرز مرسلها جوازه كما تقضى بذلك الأوامر العسكرية.

و كنت قد مرضت فلزمت غرفتى فتفضل الكولونيل مارساك و زارنى و أنبأنى انه مسافر إلى مصر صباح السبت على طائرة إنجليزية لا تنزل فى فلسطين و تمنى أن تسمح لى صحتى بالسفر و سألنى عما يستطيع أن يفعله لى فى مصر فأكدت له إنى أستطيع السفر الآن على الرغم من المرض و رجوت منه إذا تعذر سفرى أن يتصل بجريدة البلاغ و يخبرها بالخبر.

ص: 122

- عودة إلى مصر:

و كان يجس يدى كل بضع دقائق فأحسست أنه يفعل ذلك لأمر يكتمه و لم يكذب ظنى ففى صباح اليوم التالى زالت عنى الحمى فارتديت ثيابى و إذا بى أدعى إلى مكتب شركة الطيران البريطانية و هناك علمت أن مكانا حجز لى بفضل القنصل البريطانى و الكولونيل مارساك على طائرة إنجليزية قادمة من طهران و ذاهبة إلى مصر دون توقف فى فلسطين، و هكذا عدت فجأة و على غير انتظار بعد أن كاد عزمى يستقر على السفر إلى بغداد فنجد فالحجاز.

ص: 123

ص: 124

(9)

اشارة

نوينا بعد انفضاض المهرجان أن نقضى نهارا فى شتورة و ليلة فى زحلة و كان" الدكتور بشر فارس 30 لا يزال يلح على أن أزوره فى شتورة و أقضى معه بضعة أيام، فما استطعت أن أختلس أكثر من بضع ساعات من نهار قبل أن يبدأ المهرجان فلما انتهى قلنا نلبى دعوته و ننعم بكرمه و أريحيته النهار كله، و المثل يقول" العبد فى التفكير و الرب فى التدبير" و هو مثل أنقله عما أريد به لأقول إننا ركبنا السيارات فى الصباح و انطلقنا على طريق شتورة- و هى من أعمال لبنان- فلما قطعنا نحو ثلاثين كيلو مترا انعطفت السيارات فدخلت بنا فى طريق الجبل فسألت صاحب السيارة عن الداعى إلى هذا الميل فقال إنه مدعو للغذاء عند السيد" عبد الحميد دياب 31 من التجار و أعيان بقين، و ما كنت رأيت فلانا هذا إلا مرة واحدة فألح أن نتغذى معه فاعتذرنا بأننا على موعد و لم يخل سبيلنا إلا بمشقة ثم أبى له كرمه إلا أن يولم لنا فكان أن حملونى إليه و أنا لا أدرى و إنما ذكرت هذا ليقف القراء على مثل من كرم

ص: 125

القوم و لا بأس من مثل آخر أسوقه فقد خرجت مرة أتعشى وحدى فى مطعم سورى فلما دعوت الخادم لأحاسبه قال" مدفوع يا سيدى" و أعيانى أن أعرف من الذى تفضل فأدى عنى الحساب.

و فى شتورة وجدنا الدكتور بشر قد أعد لنا" الشاى و دعا إليه معنا طائفة متميزة من كرام اللبنانيين و هو ليس" ككل شاى، فلا حاجة إلى كلام فيه غير أن الدكتور بشر يأبى إلا أن يبتكر أو ليس من الجديد فى حفلات الشاى أن يكون فيها" فول مدمس" و قد أنضجه الدكتور بشر بيديه الكريمتين زيادة فى العناية و التحفى.

و خرجنا إلى" زحلة" و هى اشهر بلاد لبنان" بالعرق المشهور" فجلسنا فى مقهى فسيح على نهر" البردون" و كان كضيفنا هناك الشاعر المشهور الأستاذ" عمر أبو ريشة" 32 و كانت قصيدته فى مهرجان المعرى من خير ما سمعت من الشعر و قد أنست من قصيدته نزعة صوفية فسألته عن ذلك و كنا فى حلب على ما أذكر فقال: إن ظنى فى محله.

و كان من خير ما أكلنا فى ليلتنا تلك على النهر" العصافير" و هى سمينة يقلونها أو يصنعون بها ما لا أدرى و يدسونها فى قلب الرغيف حتى لا تبرد ثم تؤكل بعظمها.

- حدود سوريا و لبنان:

و كان معظم من معنا لبنانيين و كنا نستطرد فى الحديث من موضوع إلى موضوع فتناولنا كل شى ء جادين و هازلين فأحسست بعد هذه الجلسة و أمثالها مع إخواننا اللبنانيين أنهم قلقون يرغبون فى إيجاد رابطة بين بلادهم و البلاد العربية الأخرى، و لكنهم يحبون

ص: 126

أن يحتفظوا باستقلالهم و حدودهم الحالية أدق احتفاظ و يخشون أن تؤدى المشاورات العربية إلى ما يمكن أن يتحيف من استقلالهم أو يرد حدودهم عما دخل فيها و من اجل هذا أضارهم و سرهم أن الذين اشتركوا فى مباحثات اللجنة التحضيرية آثروا أن يسمعوا ما اتفقوا عليه" جماعة" من" الدول العربية" لأن كلمة" الدول" تفيد الاستقلال، و كلمة" الجماعة: تقضى على فكرة" الوحدة" التى يخشون أن يكون المقصود بها- آخر الأمر- إدماج بعض البلاد فى بعض و ما أظن بهم إلا أنهم قد سرهم على الخصوص النص الذى انفرد به لبنان تأكيدا لاحترام استقلاله و حدوده.

و قد يحب القارى ء أن يقف على السر فى كل هذا الحرص على النص على احترام الحدود الحالية و السر فيما أعلم هو أن لبنان ألحقت به فى عهد الانتداب الفرنسى بلدان كانت فى الأصل داخله فى سوريا مثل بعلبك و طرابلس و صيدا الخ. فلبنان يجب أن يبقى له ما أضيف إليه و ألحق به. و لم تر سورية بأسا من هذا فاعترفت بالحدود القائمة.

أما فيما عدا فالأمر بين سوريا و لبنان يجرى كأنهما بلد واحد فلا جوازات سفر بين القطرين و لا عملة منفصلة و أمر الجمارك مشترك و التعاون قائم على خير وجه و لا فرق بين لبنانى و سورى، فمعظم موظفى البنك السورى اللبنانى و موظفاته فى دمشق و غيرها من بلاد سوريه من اللبنانيين و اللبنانيات و كثير من البنى التى فى بيروت يملكها سوريون، و أهل سورية يصطافون فى جبال لبنان الجميلة و إن كانوا قد بدءوا يعنون بمصايفهم الخاصة و قمح سورية و سمنها تمد بهما لبنان، كما يمد لبنان سوريا بما فيه من

ص: 127

فاكهة و زيت و عرقى إلى آخر ذلك و قد كنت و أنا فى الشام أتوقع أن تنتهى المشاورات بما يزيل مخاوف إخواننا و كنت أؤكد لهم أن الأمر لا يمكن أن يكون إلا على ما يحبون و أبين لهم أم مصر نفسها حريصة كحرصهم على كيانها الخاص و استقلالها بأمورها و احترام حدودها و كذلك الدولة السعودية و العراق و ليس ثم طمع من دولة فى أخرى. و إنما المراد إيجاد وسيلة أو أداة يتسنى بها التعاون و التكافل و حسبنا جميعا ذلك و قد صدق ظنى و لله الحمد.

ص: 128

الصحافة و الأحزاب (10)

اشارة

ليس أعجب من أن يطالب صحفى بالإدلاء بحديث إلى صحفى آخر غير أن هذا الذى أراه عجيبا كان يبدو غير عجيب لبعض الصحفيين الشبان فى دمشق، و قد ألح فى المسألة و أنا أحاول أن أصرفه بلطف، فلما أعيانى أمره قلت: سل ما بدا لك، فرمانى بطائفة من الأسئلة تتطلب بحثا طويلا نظرا و مراجعة. مثل كيف تركت الحالة الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية فى مصر؟ و ما رأيك فى حل قضية فلسطين. إلى نظائر كثيرة لهذه الأسئلة المحرجة و قد هربت من كل جواب بكلام يضحك حمله هو على محمل الجد فذهب به فرحا إلى مدير شركة الأنباء التى عمل فيها، ثم عاد إلى من غده يعاتبنى و يقول إنى جعلته غرض استهزاء. فقلت له يا أخى و ما ذنبى إذا كنت تأبى إلا إحراجى بأسئلة لا أستطيع الجواب عنها هنا، و صرنا بعد ذلك صديقين و غفر لى إساءتى، و زاد فتفضل تعريفى بزعيم الحزب الشيوعى هناك

ص: 129

و زعيم الشيوعية هذا شاب مديد القامة عريض الألواح واسع العينين براقهما حديد الفؤاد فصيح و قد سألنى عن الشيوعية ما رأيى فيها فقلت له" منك نستفيد" فما أعرف عنها شيئا فشرع يعرفنى بها فقلت له اسمع" إن كنت تطمع فى إلحاقى بحزبك فخير لك أن تقصر فقد جريت فى حياتى على قاعدة لم أتحول عنها قط هى أن لا أتقيد بحزب أو مذهب و إنما آخذ من كل مذهب أطيبه و أنفعه .. فكف.

و صرت بعد ذلك كلما دخلت غرفتى وجدت فيها كوما من النشرات و المطبوعات و الرسائل عن (روسيا و الشيوعية) و قد احتفظت- منها- برسالة واحدة رأيتها نافعة لما فيها من البيان و أهملت ما عداها.

- حديث عن التشاؤم:

و مما يستحق الذكر إنى لما عدت إلى الفندق تلك الليلة المنحوسة من فلسطين قال لى أحدهم بعد أن أظهر السرور برجوعى: و الله إنى ما توقعت خيرا مذ رأيت السيارة التى ركبتها إلى فلسطين فسألته عن السبب فقال رأيت كلمة" يا ساتر" مكتوبة على زجاجها فانقبض صدرى و قلت فى سرى" يا ساتر استر". و من الغريب أن هذه هو الذى شعرت به حين رأيت هذه الكلمة، و قد حدثت بهذا الدكتور أسعد طلس، فضحك، و لكن أنظر ما حدث.

على مسافة عشرين كيلو مترا من دمشق- فى الطريق إلى القنيطرة- انكسرت حوامل السيارة و يسمونها" السوستة" فوقفت

ص: 130

السيارتان طويلا حتى ربطت بالحبال و اضطررنا بعد ذلك إلى السير على مهل مخافة أن تتعطل السيارة.

سقطت منى ورقة بخمسة جنيهات مصرية فى القنيطرة على الأرجح و كنا وقفنا بها قليلا لنشترى بها طعاما فلم نجد خيرا أو أنظف من" الطعمية" و العنب و يظهر أنى أردت أن أعيدها إلى جيبى- أعيانى صرفها- فوضعتها خارجه و أنا أظن أنى دسستها فيه، و لما رددت عن فلسطين طلب السائق الذى كان مع إخوانى، خمسة جنيهات من زميله يستعين بها حتى يقبض أجرته، فاعتذر له زميله بأن ما معه لا يبلغ هذا القدر، فقلت له أنا أعطيه ما يطلب على الحساب و بحثت عن الورق و أصبت ببرد من طول الوقفة و التعرض عند" جسر بنات يعقوب" و كانت ثيابى أخف ما يلبس و أهملت التوقى.

و لما عادت بنا السيارة ضل السائق الطريق فظل يحملنا- أنا و صديقى الدكتور طلس- هنا و هناك ثم يرتد و هو لا يهتدى نصف ساعة حتى خفنا أن يدركنا الليل قبل أن نصل إلى نقطة الحدود السورية. و لست ممن يتطيرون و لكنى أعترف بأن كلمة" يا ساتر" حين رأيتها مخطوطة بالدهان الأحمر على زجاج السيارة أمام السائق لم تقع من نفسى موقعا حسنا، و كانت عينى تتجه إليها كلما حدث شى ء. و شبيه بهذا ما وقع لى مرة منذ ربع قرن تقريبا و كنت يومئذ أسكن بيتا (على تخوم العالمين) و إنى لعائد إليه عصر يوم و إذا بفقيرة عمياء مستندة إلى جدار تتنهد و تقول" استرحنا و الحمد لله" و ليس فى هذه العبارة ما يسوء و لكن صدرى انقبض لها، و سمعت نفسى أقول" أعوذ بالله". و فى منتصف تلك الليلة

ص: 131

توفيت زوجتى جاءها المخاض فجاءها الطبيب فنزفت و ماتت، و قد سمع منى غير واحد وصف مصرعها- فقد كنت مشاهدا للأمر كله- فدهشوا. و ما شمت بإنسان قط و لا شماتة بميت على الخصوص فإن الموت يدركنا جميعا، و لكن هذا الطبيب مرض فمات بعد ذلك بعامين و أشهد الله العالم بالسرائر أننى شمت و فرحت و أحسست أن الله الرحيم قد مسح من قلبى القروح.

ص: 132

(11)

كان الأمير مصطفى الشهابى محافظ" اللاذقية" قد أنبأنا قبل أن يغادر دمشق بعد أن حضر افتتاح المهرجان و أكل هنيئا من الغذاء العلائى الذى اكتويناه و أبيناه- أنه سيعد لنا الغداء فى حرش جميل قريب من اللاذقية.

و الأمير مصطفى أديب عالم و عضو فى المجمع العلمى بدمشق و كان فى طليعة المرشحين لعضوية مجمعنا اللغوى، و لكن لأمر ما عدل عنه و من تواليفه العلمية (الرسالة النباتية) و قد نشرنا مجمع دمشق و (معجم الألفاظ الزراعية) بالفرنسية و العربية فى مصطلحات العلوم الزراعية الحديثة من عامة و خاصة و زراعة البساتين و علم الخراج و تربية الخيل و الأنعام و النحل و الأسماك و الطيور الأهلية و ما له صلة بالزراعة من نبات و حيوان و حشرات و آلات و صناعات ...... الخ. و قد أخرجته مطبعة الجمهورية السورية.

ص: 133

و قد تولى من مناصب الدولة و وزارة المعارف و محافظة حلب ثم محافظة اللاذقية و له فى كل ما تولى آثار باقية فإنه قوى حازم و عالم مصلح.

و كانت منطقة اللاذقية تسمى فى عهد الانتداب" جبل العلويين" و كانت ذات استقلال ادارى و مالى و لكن الأمير" مصطفى" غير الاسم و تبلغ مساحتها ستة آلاف كيلو متر مربع و سكانها قرابة نصف مليون نسمة و منها اثنان و ستون فى المائة من المسلمين العلويين، و عشرون فى المائة من المسلمين السنين و ثمانية عشر فى المائة من المسيحيين و أسرة درزية واحدة و كانت فيها أسرة يهودية واحدة نزحت فأصبحت المحافظة خلوا من اليهود.

و مما يستحق الذكر عن اللاذقية أنه كانت بها مدينة عربية شامية منذ ألفى سنة إلى ألف و خمسمائة سنة قبل المسيح عليه السلام، و كانت فى العهد الذى انتهى و جاء الاستقلال الحالى على أثره" فتنة" فقلبها الأمير مصطفى بحكمته و عقله ألفة صافية، و كان العلويين يشجعون على اعتقاد أنهم" نصيريون" فتغير كل هذا بل لقد شجع بعض المشايخ على أن يكون" ربا" أى إلها فى الأرض و لا يزال هذا" الرب على قيد الحياة و لكنه فى حكم المعتقل و ما زال فيما يرى ربا و لكنه بغير عباد فتأمل كيف كان القوم يخلقون حتى الأرباب.

و مما يشهد للأمير مصطفى بالسرعة فى الإصلاح أن فى محافظة اللاذقية الآن أربع مدارس ثانوية و عدد كبير من المدارس الابتدائية و ما يسمى المدارس (الإكمالية" و دار كتب جديدة و ردهة للمحاضرات لم يكمل بناؤها و كان فيها خمسون كشافا فصاروا ألفا

ص: 134

و خمسمائة يهتفون بالعروبة و الوحدة، و هذا يريك من أى معدن صيغ الأمير مصطفى، خرجنا من حلب إلى اللاذقية ضحى، فى طريق تلتوى التواء شديدا ثم ذهبنا نصعد فى طرق ممهدة (مزفتة) على قولهم على رؤوس الجبال و الآكام و الربى، أكثرها مراقى غاية الوعورة فلما كدنا نخرج إلى طريق الساحل وجدنا من ينتظرنا ليميل بنا إلى الطريق المفضى إلى الحرش و فيه المأدبة الموعودة و كان الأمير قد حدثنا أنه غير مرصوف و لكنه أمر بتسويته و أنه أقل من خمسة عشر كيلو مترا فإذا به يطول حتى يجاوز الثلاثين و قد سرت فى طرق شتى فى الجبال- فى فلسطين و لبنان و سورية- ولكنى لم أر أوعر و أكثر ترابا من هذا الجبل الشاهق و لا أجمل منظرا لكن لصعوبة المرتقى و ضيق الشعاب وحدة الانعطاف و كثرة التراب كنا نغمض أعيننا فلا نكاد نرى ما حولنا أو تحتنا على الأصح و كان أكبر إشفاقنا أننا سنعود من هذا الطريق بعد الغذاء و قد احترقت فى بعض الطريق السيارة التى جاءت لتقودنا فوقفنا قليلا نتنفس و نسخط على هذه الرحلة و نعرب عن زهدنا فى أكلة تكلفنا هذه المشقة و نلوم الأمير مصطفى و نستعيذ بالله من هول الإياب.

و أخيرا وصلنا إلى البقعة التى تخيرها الأمير فإذا هو على حق و إذا هى صعيد فسيح فيه منبع ماء تحيط به و تظلله أشجار عظيمة التفت أفنانها و التبس بعضها ببعض، و ورف ظلها و كأنما نسقتها و صفتها يد الإنسان و قد مدت الرقعة البديعة و لكن الأمير حدثنا أن إحدى سيارات النقل التى حملت الطعام من اللاذقية انقلبت و تبعثر

ص: 135

ما فيها و اختلط بتراب الأرض، قلت (يا أمير و بعد هذا التعب الذى تجشمناه!) قال:" لا تخف فقد بقى ما يكفى" و قد صدق، فقد كان الباقى من الخراف و غير ذلك فوق الكفاية و سألته: (و من أى طريق أقبلتم؟) قال (من طريق البحر) فقلت (و لماذا لم تجيئوا بنا من حيث جئتم؟) قال) لتروا الأحراش الطبيعية) قلت (يا أخى! و الله لقد كدنا لا نرى شيئا و لقد كنا كالأطفال الخائفين نغطى وجوهنا و أعيننا و ننظر أحيانا من بين أصابعنا هات الأكل و السلام).

و جاءونا براقصين من البدو يدق أحدهم طبلته دقا عنيفا و يرقص الآخر رقصة الدبكة المشهورة فى لبنان ثم انضم إليه آخرون فصاروا حلقة كبيرة و أسر إلىّ أحد أعوان الأمير أنه كان ينبغى أن يجيئنا براقصات و لكنهم لا يجدوا و لا واحدة.

و قبل أن يبدأ الرقص كان أحد الرجلين يصيح بكلام لا أتبينه ثم يذكر اسما يهمس بعضهم فى أذنه فذكر أسماء طه حسين و أحمد أمين و عزام الشايب و العبادى (و سماه العبدى) و المازنى (و نطقه المزنى) ثم أبى العلاء المعرى فقال (أبو على أية؟) فأسروا إليه أنه المعرى فلم أسمع كيف نطقه بين أصوات الضحك.

ثم خرجنا على طريق بديع فسيح إلى اللاذقية فبلغناها قرب المغرب و ذهبوا بنا إلى فندق كبير علمنا أن الحكومة هى التى بنته و دعانى الأمير إلى بيته لأستريح حتى يحين موعد الحفلة العلائية، فقلت إنى أريد أن أطمئن أولا و أعرف غرفتى بين هذه الغرف، فإنى أخشى أن لا أكون فى إحداها وحدى، فطمأننى و حملنى معه، فلما عدت وجدت حقيبتى حيث تركتها، و لا غرفة أوى إليها فجعلت أصيح بكل ما أراه و لم أكف عن الصياح و إظهار الغضب حتى دلونى على غرفة رضيت بها.

ص: 136

حديث عن النفس (12)

ذاكرتى ضعيفة و مع ذلك أعتمد عليها و أركن إليها، و ليس بعد ذلك فساد رأى، و قلة عقل و أحسب أن الذى يحملنى على هذا التعويل عليها إنى أعرفها تحفظ الصور و إن كانت تنسى ما عداها فكل ما أراه يبقى و كل ما اسمعه أو اقرأه يذهب و ما أكثر من ألقاهم فى الطريق و أكون قد رأيتهم من قبل فأتوهم أن لى بهم معرفة فألقى إليهم السلام على سبيل الاحتياط و أقرأ الكتاب و أرى نسخة منه فى مكتبة فأشتريها و قد صار عندى من بعض الكتب عدة نسخ، و بدا لى أن خير ما أصنع إذا خايلنى كتاب فى إحدى المكتبات أن أدون اسمه حتى أرجع إلى البيت فأنظر لعله عندى فأنسى الرقعة و ما سطرت فيها، و يتفق بعد أيام أو أسابيع أو شهور أن تقع عينى على هذه الرقعة فأتعجب، و أتساءل لماذا كتب اسم هذه الكتاب؟ لأراجعه أو لأشتريه؟ و أفعل ما يغلب على الظن.

ص: 137

ص: 138

ظاهرة النسيان

و قد سرنى أن وجدت فى دمشق ندا لى فى هذا الباب و هو الدكتور" الجابرى" 33 مدير الرقابة هناك و كنا عند الدكتور أسعد طلس فذهبنا نتبارى، و هو يقول: إنه أسرع منى نسيانا و أنا أزعم إنى السباق فى هذا المضمار فراح يروى قصصا عجيبة و لكنه كان يذكر تفاصيلها بدقة فلاحظت ذلك و أنكرت أن يكون هذا حال من تخونه الذاكرة فطالبنى بأمثلة لما يقع لى فقلت: و كيف يسمنى هذا و أنا أمسى عاشقا و أصبح ساليا؟ و أرتدى ثيابى لأخرج حتى إذا هبطت بضع درجات من السلم وقفت أتساءل: إلى أين؟ و فيم الخروج؟ و يعجبنى ألّا أهتدى فأعود أدراجى و أقعد و تحدثنى زوجتى فى أمر ثم أنصرف، فإذا عدت لقيتنى بالسؤال عما صنعت فأستغرب و أسألها" صنعت ماذا؟ فتقول محتجة" ألم نتفق على كيت و كات؟ فأقول" و الله نسيت" و كانت فى بداية الأمر تظن إنى أدعى النسيان ثم اقتنعت على الأيام و كفت عن الاعتماد على أو

ص: 139

تكليفى شيئا أو عقد أطراف المناديل أو دس رقع فى جيبى فما وجدت لشى ء من هذه جدوى و أسلمت أمرها لله و لسوء حظها معى.

و قد اعترف شهود تلك الجلسة- كما اعترف الدكتور الجابرى- بأنى أنا محرز قصب السبق و لا جدال و كان هذا فوزا لى و لكنه فوز مقلوب أو كما يقول ابن الرومى (يرفعه الله إلى أسفل" على أن للنسيان مزايا فإنى أنسى المساءات و الأحقاد و الهجوم و المتاعب و أنام مل ء جفونى و كفى بهذا ربحا.

أسلفت كل هذا لأقول: إن الأمير مصطفى الشهابى دعانا فى اللاذقية إلى العشاء فى داره، أو فى حديقتها على الأصح و لما كدنا نفرغ من الطعام أقبلت فرق الكشافة بالمشاعل و ازدحم فى الباب منها جماعة ثم تقدم غلام صغير فغنى و طرب و رجع بصوت لم اسمع أحلى منه و كان واقفا أمام شجرة وراءها من لا أرى هو يشيع فى يراع معه، و تكرر هذا و كان صاحب اليراع يضرب معازف شتى أيضا، و سمعنا غير ذلك أناشيد شتى، أعجبت بالعزف و حذقه فاقترحت على الأستاذ" عزمى النشاشيبى" 34 مدير محطة الإذاعة بالقدس- و كان قريبا منى- أن يدعوه إلى الإذاعة، فقبل فقمت إلى حديث كان هؤلاء الفتيان واقفين و قلت لنفسى إنه يحسن أن أقيد أسماءهم لأذكرهم بما هم أهله بعد أوبتى إلى مصر ففعلت و أوصيت العازف أن يقابل الأستاذ" عزمى النشاشيبى" بذلك و قد كان موافقا معه عزمى على السفر إلى فلسطين للإذاعة و قد علمت أن هذا العازف أستاذ الموسيقى فى مدرسة خيرية هناك و كنت أود أن يتفق عزمى مع الغلام المغنى أيضا و لكنه قال: إن هذا عسير لأنه قاصر فتأسفت.

ص: 140

و قد أعيانى أن أجد الرقعة التى دونت فيها أسماء هؤلاء فجعلت أرجى ذكرهم و القول فيهم، لعلى أهتدى إلى مكان الرقعة حتى يئست و كففت و قد كانوا ينتظرون كلمتى فيهم، فقد وعدتهم أن أبعث إليهم بما أكتب فالآن سيخيب ظنهم و يتهموننى بإخلاف ظنهم و يتهموننى بإخلاف الوعد و لست أرى لى حيلة فإن آفتى هذا النسيان و إنى لأخشى أن أنسى أسمى يوما ما، و مما قوى هذا الوهم أو الخوف أنى قرأت قصة منذ سنوات كل ما أذكره منها أن بطلها أصيب بصدمة فلما برى ء كان قد نسى نفسه و لم يعد يدرى من هو و مسح اللوح كله فلم يبق فيه سطر واحد من الماضى فلما قابل خطيبته بعد ذلك لم يعرفها و قد عشقها مرة أخرى و خطبها من جديد و لكنها هى كانت ضنينة بحبها القديم فظلت تطاوله و تحاول أن تنشر ما انطوى و تبعث ما مات حتى عادت إليه ذاكرته و لا أدرى كيف ......؟.

و إنما بقيت هذه الخلاصة و لم تغب كما تغيب غيرها مما اقرأ لأنها أعجبتنى و خوفتنى و زادت أعصابى تلفا على تلف فأنا لهذا أحرص على وضع بطاقة باسمى و عنوانى فى جيبى و إنى لأعلم أن هذه سخافة فلن يبلغ النسيان بى هذا المبلغ فيما أرجو على الأقل و إذا كتب على أن يصيبنى ما أصاب بطل تلك القصة فما أظن أن البطاقة تجدينى و الأخلق بى أن أتساءل: اسم من هذا؟ و لماذا احتفظ ببطاقته؟ أترانى أعرفه؟.

و لست أبالى هذا النسيان فإنه يريحنى و إن كان يتعب غيرى و يشق على أهلى خاصة، ثم إنه لا ضير من نسيان ما اقرأ، لأن الفائدة من القراءة تحصل سواء أنسيت ما قرأت أم ذكرته و شبيه

ص: 141

بذلك أن تأكل ثم تنسى أى طعام أكلته فلا يمنع ذلك أن الفائدة من الطعام قد حصلت و لكن النسيان يتعب إذا وجبت المراجعة، و ليس البلاء إنى أنسى و إنما هو إنى لا أضع علامة على كتاب اقرؤوه و لا أدون شيئا فى مذكرة فإذا أردت الرجوع إلى شى ء مما قرأت حرت أين أطلبه و قد حاول بعض إخوانى المشفقين أن يعودنى النظام و تدوين المذكرات فقلت أفعل كما أشاروا و شرعت فى ذلك و لكنى مللت بسرعة و رأيت فى هذا تعطيلا لى و تضييعا للوقت و الحقيقة إنى اعتدت هذه الفوضى طول عمرى فمن العسير بعد هذا الزمن المديد أن يجى ء أحد فيحاول تعويدى خلاف ذلك و الجرى على العادة أسهل و أنا سريع الملل و كلما ثقل على أمر قلت لنفسى: و مما هذا العناء؟ كل شى ء باطل و قبض الريح فليكن كما يكون.

ص: 142

مدينة حلب (13)

اشارة

" حلب مدينة الموسيقى، و قد قال لى بعضهم: إن فى كل بيت كمانا أو عودا أو غير ذلك من المعازف حتى بيوت النصارى و اليهود و الأرمن فأضحكنى هذا، و قلت له: ما كنت أعرف قبل اليوم أن كون المرء نصرانيا أو يهوديا أو أرمانيا يمنع أن يكون موسيقيا.

و كانت شهرة حلب أنها تحافظ على القديم و تحرص عليه و تأبى أن تخرج بفنها إلى الذى يسمونه تجديدا و لست أهل هذا الفن و لا دراية لى به و إن كنت فى صدر حياتى قد أضعت عاما و نصف عام و أنا أحاول أن أتعلم العزف على الكمان، و كان أستاذى هو" الخواجة تلماك" 35 و كان دكانه على مقربة من سراى البارودى التى كانت فيها (الجريدة) و ليس ذنبى إنى أخفقت أو انقطعت عن الطلب، فقد كنت قليل الصبر و شق على أن لا أبلغ مبلغ" سامى الشوا" فى أسبوع

ص: 143

و كنت استحى أن يسمع أحد ما كنت أخرجه من الأصوات المنكرة التى تشبه الحشرجة فكنت أضع على (الفرس) ما يكتم أنفاس الأوتار و يحيلها خافتة- أخفقت و السلام و لا داعى لنشر هذه الذكرى المطوية التى لا يعلم من أمرها شيئا سوى القدامى من إخوان ذلك الزمان و كان الذى أغرانى بالموسيقى إنى شكوت إلى طبيب حاذق ما أتوهمه من اصطلاح العلل و الأمراض على فأراد أن يصرفنى قليلا عن القراءة و يشغلنى عن هذه الأوهام فأشار على أن أدرس الموسيقى.

- عودة لحكاية عن فخرى البارودى:

و لم أسمع فى حلب شيئا من الموسيقى على شدة حب أهلها لها و كثرة المعازف فيها، و لكنى التقيت بحلبى عند الصديق فخرى البارودى، بعد ارتدادى عن فلسطين و هو ضخم جدا و عرضه كطوله (تقريبا) و ثيابه أكسية عجيبة من نسج القفاطين، اتخذ منها سراويل و دراعة و فوق هاتيك معطف من صوف يصل إلى القدمين، و على رأسه عمامة أو ما يشبهها و لم اشك حين رأيته فى أنه أهل العلم بالموسيقى و التبحر فيها فما يختلف إلى فخرى إلا الراسخون فى هذا العلم، و تربع فخرى على عرشه و نقر نقرتين ثم أمر بتوشيح قديم لا أعرفه و لم اسمع به، ففض الرجل معطفه و بدا فى ثيابه المخططة الزاهية و أنشأ يغنى بصوت لا حلو و لا مطرب و لكن الإيقاع فيه جيد، و كان يضرب بجمع إحدى يديه فى كف الأخرى ليضبط التوقيت أو (الوحدة) كما يسمونها ثم حمس و أخذته فانتفض واقفا و جعل يرقص رقصا توقيعيا على نغمات الصوت الذى يغنيه فكدنا من فرط الطرب ننهض مثله و نفعل كما يفعل.

ص: 144

و هذا" توشيح" أو موشح عتيق جدا على ما قالوا لى. و قل من يحفظه و لكنه هزنى فتمشى مفاصلى مثل نشوة الخمر، و قلما يحدث لى ذلك فإنى رزين و لا فخر و ما أكثر ما اسمع من الغناء الذى يقولون: إن فيه تجديدا فلا أطرب و لا تتحرك- كما يقول العامة- شعرة واحدة فى رأسى و أنا أحب الموسيقى الغربية و أفهم بعضها و أطرب له، و لكن هذا التلفيق يزعمونه تجديدا يسلب موسيقانا لونها و طعمها و صبغتها و يفقدها خير ما كان لها من مزية- أى موافقة طباعنا و فطرتنا.

و أذكر أنّا سهرنا ليلة عند" سليمى باشا" 36 فى بغداد فاستمعنا غناء مصريا حديثا فقلت لها (ياستى، هذا شى ء شبعنا، فهاتى غناء عراقيا أصيلا. و الأفضل أن يكون بدويا) فاستمعنا أصواتا قوية لم تستطع معها أن نحتفظ بوقارنا و استحال علينا الجلوس أو السكون.

و لست لى كما أسلفت دراية بالموسيقى و إنما الذى أدريه أن نفسى تستجيب للضرب القديم و لا تستجيب لهذا الضرب الذى يقولون إنه جديد.

- أغانى العمال و جمالها:

و قد يكون غيرى مثلى أو لا يكون و لكنى أنا كنت هكذا طول عمرى و كنت و أنا طالب فى مدرسة المعلمين، أسكن بيتا فى حارة" أزبك" بحى" الصليبية" و كان رهط من العمال يمرون به فى بكرة الصباح المطلولة أو المقرورة و لا سيما فى الشتاء، و معهم غلام يغنى بأحلى صوت سمعته فى حياتى- أو هذا ما يخيل إلى- و الكبار خلفه يرددون كلمة أو كلمتين فى نهاية كل مقطع فكنت أرمى

ص: 145

اللحاف و أثب من السرير أو عنه و أفتح مصراعى النافذة و لا أبالى أن أتعرض للبرد بعد الدف ء و أطل لأسمع حتى يغيب الصوت، و صارت هذه عادة حتى كنت أستيقظ وحدى قبل أن يقبل العمال و لا أكاد أفتح النافذة حتى يبدأ ذلك الصوت الحلو يهفو إلىّ من بعيد.

- قلعة حلب:

و لابد من كلمة عن" قلعة حلب" لا علاقة لها بالموسيقى بل لأنها كانت أشفى لنفسى من كل دواء و أجدى على من ألف طبيب، ذلك أن أعصابى فى منتهى التلف فأنا لا أزال أتوهم أن قلبى ضعيف لا يتحمل أيسر جهد و قد أتعبت الأطباء و أعياهم أن يقنعونى أنى سليم القلب، إن لم يكن قلب مصارع و إنه فوق الكفاية لجسمى الضئيل فلما كنت فى" حلب" دعونى إلى زيارة القلعة. فذهبت معهم، و أردت الاكتفاء بالنظر إليها من الطريق فإنها شى ء عظيم شامخ جدا. و قد بنيت فوق تل أو ربوة، و حولها خندق واسع، فألحوا أن أصعد فلم أشأ أن أقول لهم إنى أخشى أن أجهد هذا القلب المظلوم. و زعمت أن ركبتى ستخذلاننى و لا شك. فأبوا إلا مصاحبتهم، و هونوا فخجلت، و مضيت معهم و ذهبنا نصعد و نصعد حتى خلت أننا قد بلغنا السماء و ما ظنك بأكثر من مائتى درجة؟ زد على ذلك ظلمة هذه المنقبة و ضيقها و عدم استواء الدرجات الملساء التى يسهل جدا أن تزل عنها القدم. و لك شى ء آخر حتى الصعود فى هذه القلعة فتشهدت، و رحت أتفرج مع القوم ثم انحدرنا و مضينا إلى أثر آخر ثم زرنا السوق المشهورة، و خرجنا منها إلى دار

ص: 146

المحافظ، فأقبل علىّ يكلمنى و يحدثنى عن حلب، و أخيرا تذكرت أنى نسيت هذا القلب طول الوقت، و أنى لم أشعر من جانبه بشى ء، لا خفقان و لا سرعة، و لا اضطراب و لا شى ء على الإطلاق كأنما كنت نائما و لم أكابد كل هذه المئات من الدرجات فكدت أرقص.

و سمعنى بعض إخوانى أقول بلا مناسبة (بارك الله فى قلعة حلب) فسألونى عن السبب فغمزت بعينى و لم أجب و تركتهم يظنون ما شاءوا. و ماذا أبالى و قد اطمأنت نفسى و سكن روعى؟ نعم بارك الله فى قلعة حلب.

ص: 147

ص: 148

تواضع الساسة السوريين (14)

اشارة

كانت مأدبة العشاء التى أقامها فخامة السيد شكرى القوتلى، رئيس الجمهورية فى ختام ليالى المهرجان، مظهرا لروح سورية الحقيق، و هو جمهورى صميم، و إن كانت سورية قد عرفت- و عانت- الملك العضود- فى تاريخها الطويل الحافل و قد حملنا إلى قصر الرياضة فى سيارات لا ندرى من أين جئ بها و لا من هو الذى كان يتولى أمر إعدادها، و لقد فاتنى أن أكون فى السيارة التى أقلتنى إلى القصر و عادت بى منه. زملائى فى الرحلة الطويلة إلى شمال سورية- ساطع الحصرى بك، الشيخ المغربى و الأستاذ عز الدين التنوخى و كنت ضنينا بهم، حريصا على صحبتهم، معتزا برفقتهم- و لكن الرضا كان جزيلا، فرافقت فى الذهاب و الإياب الأستاذ إسعاف النشاشيبى و الأستاذ أحمد الشايب.

ص: 149

و القصر الجمهورى دار صغيرة فيها من السلطة أكثر مما فيها من الأبهة و على أبوابها و فى مداخلها حرس و شرط. و لكنك تحس و أنت داخل أن هؤلاء إنما يقفون لتحيتك و الترحيب بك لا لحراسة أحد، فكأنهم بعض ما تزان به المآدب الحفلات مبالغة فى التخفى و من يحرسون؟! و ممن يتحرزون! إن رئيس الجمهورية من الشعب و الشعب منه، و ما كان راغبا فى هذا المنصب و لا طالبا أو ساعيا، و إنما كانت رغبته و سعيه أن يكون الرئيس الأسبق" هاشم بك الأتاسى" 37 على رأس الجمهورية، و لكن هاشم بك أبى كل الإباء على أن هذا الأمر ليس له سوى شكرى بك، و لو بقى الأمر لاختيار شكرى بك لما تولى شيئا لا من الرياسة و لا من الوزارة.

و الواقع أن مناصب الحكم لا تعد شيئا فى سورية، فليس عليها تنافس. و لا فى سبيلها أو من أجلها تثور الخصومة و تضطرم العداوة و تنشق الصفوف و تفترق الكلمة. و قد زرنا" حمص" فى أوبنا من رحلة الشمال، و قصدنا إلى دار السيد" هاشم الأتاسى" الرئيس الأسبق لتحيته، ثم تغذينا فى بستان البلدية فعرفت أتاسيا آخر هو آخو الأول، تقلد منصب الوزارة مرة من قبل، و لو شاء لتقلد رياستها الآن، فإن منزلته و أسرته و ثقافته و همته تؤهله لما يحب، و لكنه يشيح عن ذلك كله إشاحة المستخف و يؤثر أن يكون رئيس بلدية حمص.

و على هذا فقس،

و استقبلنا فخامة الرئيس فى القاعة الكبرى- و إنما توصف بالكبرى للقياس إلى غيرها- كان ينتقل بين هذا الرهط العظيم المحشود و يقف مع كل فريق لحظات يتحدث و يلاطف و يجامل ثم قيل اهبطوا فهبطنا إلى الحديقة- و هى واسعة- حيث صفت

ص: 150

الموائد فقعدنا حيث طاب لنا أن نقعد، لكن الرئيس أبى إلا أن يحف به المصريون فأدنانا منه و جعلنا على جانبيه و أمامه، فى غير كلفة، و اختص الأستاذ إسعاف بك النشاشيبى بتكريمه فألح عليه أن يكون أمامه، و يجعل يقول إن إسعاف بك أستاذه، و أنه قضى فى" القدس" عام كذا نحو عامين فكان يزور الأستاذ إسعاف كل ليله فى داره فيستفيد منه أدبا و علما.

تواضع العلماء:

و خيل إلى، و أنا أراعى الأستاذ إسعاف، أنه يقول فى سره" يا أرض ابلعينى" من فرط الحياء، فقد اضطرم وجهه فصار كالطماطم الناضج، و راح رأسه يهتز يمنة و يسرة، فضحكت فى سرى- أنا أيضا- إذا تذكرت واحدا من أصدقائنا القدماء، عليه السلام، كان لا ينفك كلما تعجب أو أنكر شيئا يهز رأسه على النحو، و كان المرحوم" السباعى" 38 يشبه رأسه فى اهتزازه هذه برأس الأرنب المصنوع من" الجبس".

و أكبرت لفخامة السيد شكرى هذا التواضع، و ذلك الإقرار العلنى بفضل لا يلزمه شكره، و أكبرت من إسعاف بك تطامنه و استحياءه، على فضله و غزارة علمه فما فيمن لا يستحى خير.

و لكن الأستاذ إسعاف ذرب اللسان حاضر البديهة، سريع الخاطر يتكلم فكأنه يقرأ فى كتاب فما لبث أن تغلب على حيائه فانطلق يسح سحا بوصف فضائل الرئيس و مزاياه و الرئيس يستوقفه و يستغفر الله، لكن من ذا يصد السيل المنهمر؟ و انقلب الوضع، و انعكست الآية و صار الرئيس هو المطرق حياء، و هو الذى

ص: 151

يحاول أن يبدو للناظرين كأنه- غيره هو- المعنى بهذا المديح، فيعبث بالشوكة تارة، و فرك لباب الخبز طورا و يلتفت وراءه حينا، و يتناول سيجارة ليشعلها ثم يردها.

و ما كدنا نفرغ من الطعام و نتهيأ للقيام- فقد كان المقرر أن نعفى من الخطبة حتى رأينا شيخا يغادر مكانه و يقبل فيقف قبل الرئيس كأنه ينتظر الإذن، فينظر إليه الرئيس مليا ثم يأبى له الأدب أن يرده، فيقول" تفضل".

و قد استغربت ما سمعت، فما كان هذا مقامه، و رأيت الرئيس يلتفت إلى الأستاذ أحمد أمين بك و سمعته يقول" ما رأيك" فلم يجب الأستاذ و لكنه نهض بعد فرغ صاحبنا، فيقول كلاما حسنا يعد ردا على ما سمعنا و تعجبنا له، فأنقذ الموقف.

و صار الواجب بعد ذلك أن يقول أحدنا كلمة شكر، فقالها الدكتور طه، جزاه الله خيرا، و أحسن كل الإحسان، و اثنى أطيب الثناء على وزير المعارف نصوح بك البخارى 39 الذى لم يفارقنا لحظة واحدة فى أسبوع المهرجان، و أن لا يفتر فى رعايته لنا، و لا يقتصر فى تعهدنا و برنا.

و قد جاءنى معاليه بعد أن نهضنا عن الموائد و تفرقنا فى الحديقة و شكا إلى أن الدكتور طه بالغ و أسرف، فقلت له يا سيدى:

إن الدكتور طه إنما عبر عما نطوى جميعا لك من الحب و الإجلال و الشكران، و لو لم يشكرك طه، لشكرتك أنا و لكنت أشد منه إسرافا، و ما أراه قصر فى حقك، فقال أنت شر منه، و مضى، و هو أشد عما يكون استحياء.

ص: 152

و كان الأستاذ" نجيب الريس" 40- الأديب الشاعر و صاحب جريدة القبس- و قد كتب مقالا عنيفا ينتقد فيه محافظ دمشق و اتفق أن جلس المحافظ فى مأدبة الريس و بجانبه الأستاذ" نصوح هابيل" 41 نقيب الصحفيين و صاحب جريدة" الأيام" فشكا إليه المحافظ ما قال فيه نجيب، فما كان من نصوح إلا أنه قال إنه يوافق زميله على كل حرف خطه، فسرنى هذا التضامن بين الزملاء، تمنيت أن يكون هذا حالنا فى" مصر" و سمعت أعجب حوار و أمتعه و نحن نعود إلى الفندق، و كان السائق ينهب الأرض و الأستاذ إسعاف يكره السرعة فاستمهل السائق، فقال هذا (أولسنا على الأرض؟

فماذا تخاف؟) فقال الأستاذ إسعاف و لكن الله يأمرنا أن لا نلقى بأنفسنا فى التهلكة، فرد عليه السائق بأن" المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين" فصاح به الأستاذ (ويحك أقول لك القرآن ينهى عن هذا فتحتج على بعبد الوهاب).

فأصر السائق على الاحتجاج بمواويل" عبد الوهاب 42. و لج الأستاذ فى الاحتجاج عليه بالقرآن و الحديث، ثم رأى السائق يزيد على السرعة أنه يلتفت يمنة و يسرة. فخاف العاقبة، و لكنه أثر المزح فارتجل حكمة تقول- أو يقول هو فيها- إذا ركبتم الخيل فلا تلفتوا ذات اليمن و ذات الشمال. فكان جواب السائق أن العرب لم يعرفوا السيارة، و ظللنا نستمع إلى هذا الحوار اللذيذ حتى بلغنا الفندق بسلام، فكان الختام مسكا.

ص: 153

ص: 154

حديث عن بدوى الجبل (15)

عرفت فى الشام (بدوى الجبل) 43 و هو شاعر و أديب و نائب من اللاذقية، و كان الترتيب أن ينشد قصيدة فى احتفال اللاذقية، و لكنه دعى إلى الإلقاء فى حفلة دمشق الأولى.

و (بدوى الجبل) ليس اسمه، بل وصفه، و قد غلب عليه الوصف حتى لا يكاد يعرفه بغيره أحد، و حتى صار ينادى به فى مجلس النواب، و قد سمعت رئيس المجلس- و كان يومئذ" فارس بك الخورى" 44- فى الجلسة التى شهدتها بعد ارتدادى عن فلسطين، يقول (سيتلو عليكم بدوى الجبل المراسم ... الخ) فقلت لنفسى، هى بساطة القوم تسهل عليهم الأمر، و لو لا ذلك لعانوا ما عانيت من الحيرة و الارتباك، إذ كيف أناديه من بعيد مثلا، و كيف أدعوه حين أخاطبه؟ أأقول له (سيدى بدوى؟) أو (يا حضرة البدوى؟) أم أهمل

ص: 155

ألفاظ المجاملة كلها و أمرى إلى الله؟! و كيف يليق ذلك، و ما سبقت لى به معرفة، و إن كنا قد ائتلفنا بسرعة؟! و أنا رجل أحرص فى صداقاتى على إبقاء بعض الحدود، و لا أرفع الكلفة كل الرفع و إن كنت أرسل نفسى على السجية، لأنى وجدت ذلك أبقى للصداقة و أدوم لعودة. حتى زوجتى و أخى و أبنائى أتوخى معهم الاحترام و الأدب رغبة فى طيب المعاشرة و حسن المخالطة، و اجتنابا لتغير النفوس من جراء سوء الأدب و التطاول.

و قد وجدت فى (يا أستاذ) مخرجا غير مريح، فقد شاع هذا اللفظ حتى فقد قيمته، فكل امرئ يقول لكل امرئ أخر (يا أستاذ) و قد سمعت (كمساريا) يقول لصبى حافى القدمين عارى الرأس و عليه مرقعة تبدى من بدنه أكثر ما تستر (تذكرة يا أستاذ) و لعله يتهكم أو يتفكه، و لكنى امتعضت، و استثقلت هذا الابتذال، و عزيت بأن (أستاذيتى) أنا، خاصة لم يمتد إليها الامتهان، و إن كنت أرى خصوصها قد صار كالعموم.

و سألت غير واحد عن اسم (بدوى الجبل) فكان يطول تفكيرهم و يترددون و يتلعثمون فقلت أسأله هو نفسه. مهدت لذلك قولى له:

(إنى أرى الناس كلهم يسميهم آباؤهم، فلا خيار لهم فى الأمر و إن كان الاسم بغيضا، و لا أعرف سواك رجلا أوتى الشجاعة اللازمة لإطراح ما سماه به أبوه و الاعتياض عنه بالاسم الذى يروه، فماذا كان الاسم الذى تلقيه من أبويك؟ و لماذا آثرت تغييره؟ أعنى ماذا كرهت منه؟.

فقص علىّ هذه القصة. قال: إنه لم يغير اسمه. و لا اعتاض منه سواه، و لكنه فى أل عهده قرض الشعرا، و بعث بقصيدة إلى صحيفة

ص: 156

الأستاذ يوسف 45- ألف باء- و ذيلها باسمه الصريح- محمد سليمان- فنشر الأستاذ العيسى القصيدة و جعل التوقيع تحتها (بدوى الجبل) فاستغرب هذا وزاره و سأله عن سبب ما صنع، فقال له: إن القصيدة جيدة و اسمك غير معروف، فإذا رأى الناس اسمك الذى لم يسمعوا له من قبل ساء رأيهم فى القصيدة أو قرأوها و هم أميل إلى استضعاف الشعر، سفها، و لكنهم حين يرون كلمتى" بدوى الجبل" خليقون أن يستغربوا و يتوهموا أن هذا الشاعر مجيد مشهور يؤثر- لسبب خاص- أن يتنكر فيكون هذا باعثا لهم على إحسان الظن سلفا، أو على الأقل وزن الشعر بغير هوى.

و قد صدق ظنه فأعجب الناس بالقصيدة و أقبل بعضهم على بعض يتساءلون (من ترى يكون بدوى الجبل هذا؟ و لماذا يتنكر؟) و قال قوم إنه" خليل مردم" و ذهب أخرون إلى أنه" شقيق جبرى" 46 و كلاهما من شعراء الأمة المعدودين و اختلفا فى ذلك اختلافا عظيما.

و اقتنع السيد محمد سليمان بصواب الرأى فلج فى التنكر حتى اشتهر بأنه (بدوى الجبل).

و لم استغرب هذا لأنه عين ما وقع لى فقد كان زملائى فى المدارس لا يعرفوننى باسم (عبد القادر) لأنى فى حداثتى لم أكن أحفل بلقب (المازنى) حتى ملت إلى الأدب و عكفت على كتبه القديمة أقرؤها فعرفت قيمة لقبى الذى كنت استخف به و أملّه، فلما أردت أن انشر فى الصحف بعض ما كنت أنظم و أكتب، عكست القضية. فكنت أذيل القصيدة أو المقال بهذا التوقيع (ع. أ. المازنى) فابرز ما كان خافيا، و احجب ما كان ظاهرا، أو معروفا و واظبت

ص: 157

على هذه إلى سنة (1911) أو (1912)، و كنت يومئذ أتحذلق و اتقرع، و لا سيما فيما أنشره فى مجلة (البيان) لصاحبها المرحوم الأستاذ" البرقوقى" 47 فكتب" الدكتور هيكل" 48 (و كان يومئذ مثلنا لا بك و لا باشا) فى صحيفة (الجريدة) مقالا فى (كتاب البيان) يقول فيه ما معناه أن لعل اسم" المازنى" هو الذى يرجع إليه السبب فى تقرعه، فكان من أثر هذه الغمزة أن نبذت التكلف. و نزعت إلى البساطة.

و اتفق يوما أن كنا بمجلس المرحوم البرقوقى، و كان (اللواء) أو (العلم)- لا أدرى أيهما- قد نشر لى قصيدة طويلة، و كان معنا السيد" الغاياتى" 49 فجعل" يسأل من هذا المازنى؟"، و أنا معه فضحك، و اشتد إلحاحه فى السؤال عما نقدته فى (الجريدة) و قد عرف السر بعد ذلك و صرنا صديقين.

ثم صرحت باسمى كاملا بعد أن اطمأنت نفسى، و استغنيت عن التستر أو اتقاء الظهور جهرة، فقد كنت أخشى الخيبة، و اشك شكا كبيرا فى قيمة ما أكتب أو أنظم، و لكنى وجدت من تشجيع الإخوان و عطفهم و مروءتهم ما قوى قلبى و جرأنى.

و أذكر لبدوى الجبل- كما أذكر الدكتور أسعد طلس- أنهما لم يفارقانى قط بعد أوبتى من فلسطين مطرودا عنها. و قد أبى الدكتور طلس إلا أن يعود معى و إن كان القوم قد أذنوا له فى الدخول خليقا و تلك منّة كبرى له، و يد لا أنساها أبد الدهر، فقد يسر لى كثيرا مما كان خليقا أن يتعسر، و ظلا كلاهما معى بعد ذلك حتى ركبت الطائرة إلى مصر، و كانا يسعيان هنا، و هناك، و محاولان تذليل كل عقبة، و تسهيل كل صعب، و لا ينفكان ينبآنى بكل

ص: 158

خطوة و لا يكفان عن تبشيرى و تطمينى، و لا أدرى كيف أشكر لهما هذا، و لا أرى العجز يصلح عذرا و لكنى مع ذلك أسمح منهما أن يغفرا لى تقصيرى، فإنهما هما و قومهما جميعا أنبل من أن يتقاضون شكرا على مروءة.

ص: 159

ص: 160

عودة لنضال شكرى القوتلى (17)

سورية الحاضرة وليدة الحركة العربية التى قامت، جهرا و سرا، فى أخريات العهد العثمانى، و قد كان لكثيرين من أقطاب سورية الآن مشاركة فى تلك الحركة، و هذا رئيس الدولة السورية الحالية السيد شكرى القوتلى، ما نجا من الموت إلا بأعجوبة و بفضل من الله فقد كان الأتراك فى أثناء الحرب العظمى الماضية يطاردون أحرار العرب و يشنقونهم، و كان السيد شكرى القوتلى ممن قبض عليهم، و أذن فى الحال بأن يلحق بسواه من الأحرار. و سألوه عن زملائه الأحرار، فأبى أن يقول شيئا و أصر على الكتمان و آثر أن يدركه الموت على أن ينكب أحدا.

و كان هناك كثيرون قد قبض عليهم و سئلوا كما سئل السيد شكرى القوتلى، فلم يقولوا شيئا و لكن واحدا منهم أراد أن يضلل

ص: 161

القوم فراح يذكر لهم أسماء كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان، أو علاقة لأصحابها بحركة عربية فكان التحقيق يدور مع هؤلاء الأبرياء أياما. ثم يطلق سراحهم. و كان القائمون بالتحقيق يدعون زورا و بهتانا أن فلانا قد أقر، و علانا قد أفشى السر، ليحملوا الآخرين على الاعتراف و ليوقعوا بين المقبوض عليهم و يوغروا الصدور فتجرى الألسنة بالحقيقة.

و لم يكفهم هذا فجعلوا التعذيب إحدى وسائلهم، فكانوا يجلدون المعتقلين، و يدسون لهم الشوك بين الظفر و اللحم، و يفعلون غير ذلك.

كانوا كثيرا ما يعذبون المقبوض عليهم على مرأى و مسمع من السيد شكرى ليرى ما سيحل به إذا لج فى الإنكار، و أبى الكتمان، فأشفق السيد شكرى أن يضعف إذا أصابه مثل هذا التعذيب المنكر، و خشى إذا حاق به شى ء من هذا أن تخونه الإرادة فإن الطاقة البشرية محدودة، و المرء صبر يتشدد على الألم، و لكن لا إلى غير نهاية فاعتزم أمرا، و توكل على الله.

و كان كثير التعبد أمام الحرس، فكان الحراس يكبرونه و يوقرونه فقال لأحدهم يوما. إن هذا السجن قد طال، و طال شعر بدنه، فهو فى حاجة إلى موس للحلاقة فإن النظافة من الإيمان فغاب الحارس ساعة ثم جاءه بالموس فى الخبز، فإن تزويد السجناء بمثل هذه الآلات محظور فكيف إذا حملها الحارس بنفسه إلى السجين؟!

و أوصد السيد شكرى القوتلى الباب و عمد إلى رسغة فقطع بالشفرة شريانا فيه فتدفق الدم و كان قد أعد عودا من القش فجعل يغمس العود فى الدم و يكتب فى الصحيفة، و قد أنحى فى

ص: 162

هذه الرقعة على الظلم و الظالمين و لعنهم و استنزل عليهم غضب الله و الملائكة و الناس أجمعين.

و ألح عليه النزف فضعف فانطرح على الفراش و ترك يده مدلاة يسيل منها الدم حتى بلغ الباب و خرج من تحته.

و اتفق فى ذلك الوقت أن كان الدكتور" قدرى بك" 50 مارا فرأى الدم، و كان أحد المقبوض عليهم و هو طبيب و الأطباء غير كثير، فالحاجة إليهم شديدة، فهو لا يزال يستعان به داخل المعتقل، و كان قد قيل له كذبا أن السيد شكرى وشى به، أو أقر عليه فسخط و نقم فلما رأى الدم حدث نفسه أن السيد شكرى لابد أن يكون قد أدركه الندم، و أناب إلى الله و شفع إليه تعالى بدمه فانتحر.

و قال لنفسه حسنا صنع، و مضى فى طريقه، و لكنه ما لبث أن وقف مترددا و قال هذا الرجل قد كفر عن ذنبه بتوبته ربما حاول الانتحار، و التوبة تغسل الذنب و تمحو الخطيئة، و على الله لا على الناس حساب المسيئ، ثم من يدرى، فقد يكون الرجل مظلوما. لعله ما اعترف و لا أقر بشى ء و عسى أن يكون ما بلغنى عنه مزورا ملفقا و هو برئ العهد، أتراهم كانون يتركوننى على قيد الحياة و على شهوده وكر راجعا إلى الباب و أهوى عليه بكتفه فحطه و دخل على السيد شكرى، فإذا هو فى غيبوبة من كثرة النزف، فعصب له يده عصبا قويا يرقأ العرق و ينقطع الدم، و حمله مستعينا بالحراس، فذهبوا به إلى مستشفى فظل فيه حتى أقبل عليه البرء و رجعت إليه قوته على الأيام.

و آثار الكتاب الذى كتبه بدمه ضجة فإنه كتاب رجل مشرف على الموت و تلك ساعة لا يهون فيها الكذب و التضليل، و كيف يكذب و هو

ص: 163

يوشك بعد ثوان أن يلقى ربه؟ و الدم بدلا من المداد شى ء مروع، فكان لهذا كله أثره و نجا من القتل غير واحد بفضله.

و إنما أقدم السيد شكرى على هذه التضحية الكبرى إشفاقا من عواقب الضعف الإنسانى فآثر أن يموت هو. و ينجو غيره.

و هذا خبر صحيح، لا يرتقى إليه شك يريك من أى معدن صيغ السيد شكرى القوتلى، فهو يتقلد اليوم منصب الرياسة ف الجمهورية السورية بفضله و حقه. السوريون جميعا يعرفون له هذه المزية و يقرون له بها. و قد يختلفون على غيره و لكنهم لا يختلفون فيه. و إجماعهم على توقيره و الثقة به تام، فما أخذوه بشى ء فى حياته كلها فظل رجل سوريا الذى تطلع إليه الأبصار فى كل حادث ظل هو الرجل الذى لا يمنع فى شى ء و لا يشتهى شيئا و لا يطلب هذه الدنيا و جاهلها، حتى حملوه حملا إلى دار الرياسة و هو فضلا عن ذلك يقرأ لا يترك عقله يصدأ، و لا يغتر بمنصب و لا يرى أنه زاد به شيئا أو أنه صار وقفا عليه.

و قد سئل السيد" سعد الله الجابرى" عن استقالته من الوزارة ما سببها؟. فكان جوابه و هل مناصب الحكم وقفا علينا؟ إنها للأمة لا لنا.

و خوطب السيد" فارس الخورى" بعد توليه الوزارة فى أمر فقال: إنما نحن هنا إلى حين فقط.

و هكذا يقول السيد شكرى القوتلى و رجال سوريا جميعا، بارك الله فيهم.

ص: 164

حديث عن صحافة الشام (17)

اشارة

أظن أن القراء ينتظرون منى كلمة فى صحافة الشام فقلما يراها المصريون فى غير إدارات الصحف أو عند من يتلقونها بالبريد.

و أول ما ينبغى أن يكون المصريون منه على بينة و يقين، هو أن صحافة الشام ليست دون صحافة مصر فى الجوهر، و إن فرق ما بينهما لا يعدو المظهر.

و القراء فى الشام أقل ممن فى مصر، لا لأن الأمية هنا أشيع، فإن الأمر على نقيض ذلك بل لأن عدة النفوس أصغر، المواصلات أبطأ، و الأبعاد بين البلدان أطول، و قد جاءت الحرب بمصاعب أخرى شتى، فالورق قليل و الغلاء شديد، و التليفون لا يسعف، و السيارات لا تظفر بالكفاية من العجلات الصالحة، و السكة

ص: 165

الحديدية سلحفاة فلا غناء لها، و تكاليف إخراج الصحيفة غير يسيرة، و على الرغم من ذلك كله احتفظت الصحافة فى سوريا بمستواها، و اجتذبت إليها طائفة صالحة من صفوف الشبان المثقفين.

و لم أر أنشط و لا أشد من الصحفيين السوريين لعملهم، فهم ينتشرون فى الأرض، و يظهرون فى كل مكان و يستقون كل خبر.

و يحيطون بكل دقيق و جليل من الأمور، و يقفون على كل خلية، و لا تبدو عليهم مع ذلك عجلة، حتى ليخيل إليك إذا تراهم أنهم لا يزاولون عملا و إنما يزجون فراغا.

و قد طفت بإدارات الصحف فى دمشق لا لأنه ما تقتضيه الزمالة، بل لأن فيها إخوانى و أصدقائى، فكان يدهشنى أن أرى المكاتب خالية، و لا يكاد بعضهم يدخل حتى ينكفئ خارجا،. فجعلت أتساءل فى سرى:

" أين إذن المحررون المخبرون و المترجمون؟ و من ترى يتولى ترتيب المواد المختلفة، و الإشراف على الطبع و ما إلى ذلك؟.

و قد تبينت بعد ذلك أن السر فى هذا" الفراغ" الذى تعجبت له هو أن الحركة دائمة، و السرعة عظيمة، فالجلوس إلى المكاتب قليل، و كل امرئ يؤدى عمله و يدفع به إلى صاحب الجريدة أو الموكل بالإشراف، أو إلى المطبعة ريثما يؤوب الغائب، ثم ينطلق خارجا عسى أن يقع على جديد أو مفيد.

و لقلة الورق، و ضيق الصحف، و صغرها اقتصرت على الجد، و أغفلت ما يراد به التسلية و تركت ذلك للمجلات و الصحف

ص: 166

الأسبوعية. و السوريون على العموم أميل إلى الجد فى صحافتهم.

و أشد عناية باللغة و الأسلوب. و القراء ينتظرون من الصحافة اليومية على الخصوص أن تفيدهم لا أن تسليهم:

اللغة العربية و الروح العربية:

و قد تكون اللغة العربية فى مصر أرقى. و أساليب الكتابة أجود، و أحسب أن السوريين لا ينكرون على مصر هذا السبق و التقدم، و لكن الروح العربية هناك أعمق و أعم و أشمل،، و ما من سورى، متعلم أو أمى، إلا و هو يعد نفسه معرقا فى العروبة، فلا فينيقية، و لا فرعونية و لا حيرة بين أصول شتى متقاربة أو متباعدة و إنما هى العروبة صرفا.

و أسماء الصحف نفسها تشهد بذلك و تعلنه بأقوى لسان و أعلى بيان، و من هذه الأسماء" ألف باء" و" فتى العرب" و" القبس" و" الوعى القومى" و ما يجرى هذا المجرى و ليس فى سورية من يستغرب أو ينكر اسما من هذه الأسماء، أو يحس أنها ثقيلة على اللسان حتى باعة الصحف ينادون بها كأنها أحلى الأسماء و أخف الكلمات و أعذبها.

و الأمر فى مصر على نقيض هذا، فإن اختيار اسم سهل الدوران على اللسان من أشق المتعبات المضنيات التى يعانيها من يهم بإصدار صحيفة ما يومية أو أسبوعية أو شهرية، و المصرى يعنى عند اختيار الاسم، بسرعة ذيوعه و خفته على لسان البائع حين يرفع به عقيرته يلوكه فى شدقيه، و أذكر أن مجلة" يد رزد ايجست"

ص: 167

حين أرادت أن تصدر طبعة عربية فى مصر، رأت أن تعقد مسابقة كلفتها مالا و جهدا للاهتداء إلى الاسم الموافق فكان" المختار".

و من الخطأ أن يتوهم أحد أن المسألة ذوق. و أن الذوق الشامى غير الذوق المصرى فالذى يتقبله هذا لا يتقبله ذلك و لا يخف على قلبه. فإن السوريين يستثقلون اسما من أسماء الصحف و المجلات المصرية، و لا يرون أنها أبدع أو غير موافقة إلى آخر ذلك، و إنما الأمر مرجعه إلى روح العروبة كما قلت، فالسورى الذى يريد إصدار صحيفة لا يعنيه إلا أن يكون الاسم عربيا صحيحا مقبولا، يؤدى المعنى المنشود و يحرك النفس لما يريد، و قد يؤثر التواضع التطامن فيسمى جريدته (القبس) أو (ألف باء) أو يرى أن يجهر بغايته و لا يخافت بها فيطلق عليها اسم (فتى العرب) أو (الوعى القومى)- و هى صحيفة اللاذقية- و همه فى الحالتين المعنى العربى و ميله إليه لا يحوله عنه.

و تلك مزية الشام لا تستغرب، فقد كانت و ما زالت موئل العروبة أبناؤها هم الذين يرجع إليهم الفضل فى أزخار تيار الحركة العربية فى هذا القرن.

أما مصر، فإنها على اصالتها فى العروبة، لا تعد بالقياس إلى سورية إلا أحد الروافد، و إن كان لا شك انه رافد عظيم غمر الماء جم الحدود.

ص: 168

عود على بدء (18)

أقيمت حفلتا المهرجان الأولى و الثانية فى قاعة المحاضرات بالجامعة السورية، و أكبر ظنى أن من القراء من يضحكون الآن. إذ يقرأون هذا، و يقولون: إن المازنى قد عاد فبدأ من البداية، فإذا كان كل بضع عشر مقالات سينكفئ بنا راجعا إلى الفاتحة، فمتى يا ترى نرجو أن يختم هذا الحديث؟.

و أنا أكره أن يزعج القارئ شى ء و لذا فأطمئنه فما ذكرت الحفلتين الأوليين، إلا لأذكر القاعة، و حتى القاعة ليست مبتغاى، و إن كانت رحيبة و طويلة و عريضة، و صدرها محلى بأعلام الأمم العربية جميعا، و لكن هذا الصدر كان إلى ظهورنا على المنصة، فكنا لا نراه إلا إذا لوينا أعناقنا ليا شديدا.

ص: 169

و كانت القاعة خاصة بالرجال، و مجهزة ما يحمل صوت المتكلم، و لو كان خفيضا كصوتى، إلى آخر ما فيها، بل يجعله يجلجل كالرعد، إذا كان معدنه قويا كأصوات فخامة السيد القوتلى، أو السيد عراف النكدى أو السيد شقيق جبرى الشاعر و هذه لا حاجة بها إلى معين فإنها سمع الصم.

و للقاعة شرفات ثلاث ممتدة على الجوانب الثلاثة- من فوق كانت هى أيضا غاصة، و لكن بأندى زهرات دمشق. و كن جميعا" يجلسن" سافرات لا يرحمن ضعفنا و لا يترفقن بطيننا الواهى الخرع، على أن قلبى مات من زمان فلا خوف عليه أن يصاب بسهم من هذه العيون التى لا أمان لها، فكنت أغافل جيرانى و أصعد طرفى و اختلس النظرتين من حين إلى حين، و لم يكن هذا منى من قبيل العبث أو على سبيل الشيطنة و إنما كان لأنى أفكر و أتعجب.

و ملت على جار لى قلت مازحا" هل نساء الشام دميمات؟" فجاهد أن يخفض صوته و هو يقول هامسا و بوده لو تسنى له أن يصح" العمى" الا تراهن؟"

فلم أرحمه و سألته" إذن لماذا يتحجبن؟" فرمانى بنظرة و لم يجب. و دارت عينى فى مقاعد الرجال- تحت- وعدت إليه أغمزه فابتسم و هو يلتفت إلى و يسأل" هل ركبك عفريتك؟"

قلت" لا تخف على، بل خف على نفسك؟" انظر" و أومأت بإصبعى إلى آخر الصف الأول الذى يواجهنا و نحن على المنصة.

فنظر و هى رأسه و أدار إلى وجهه و سأل" ماذا؟"

فكانت هذه فرصة أثأر فيها لنفسى، فصحت به" العمى ألا ترى الآنسة" فلك طرزى 51 جالسة بين الرجال؟".

ص: 170

فزوى ما بين عينى و زام فانصرفت عنه بعد ذلك، إلى ما يدور فى نفسى.

و الآنسة فلك الطرزى أديبة صديقة لى، عزيزة على، و لقد لقيت من كرمها و عطفها و مروءتها ما يعيينى شكره، و أتعبتها حتى خيل إلى إنى أزهقت روحا لكنها ظلت على عهدى بها من الوفاء و صدق المودة، و كانت جلستها هذه بين الرجال فى مهرجان المعرى، دون بنات جنسها مظهرا يفقأ العين بثورتها على الحجاب، و قد كنا فى رحلتنا الطويلة إلى شمال سوريا نخوض فى كل موضوع و لكنا ندور و نلف ثم نكر إلى حديثها أو حديث الحجاب و السفور فى الحقيقة، فكان الأستاذ الشيخ المغربى يقول إنه لا ينكر السفور أو يأباه على أن يكون شرعيا و لكن ينكر أن تخرج المرأة وحدها و أن تجالس الرجال.

فأقول له" و لماذا؟" ماذا تخشى عليها؟" إن فضيلة المرأة المحجوبة السجينة فى بيتها التى لا تخرج إلا فى حراسة الزوج أو الأخ أو الإبن: هى فضيلة الجدران الأربعة،" و أخلق بها أن تفقد القدرة على المقاومة و الكفاح لأنها استغنت عنهما بما يحميها من غير ذات نفسها فلم تتعودهما".

و ضربت له مثلا، قلت إنى كنت فى حداثتى، لجهلى أخاف البرد، فلا أزال استكثر من الثياب، و كنت ألف على رأسى فوطة كبيرة عند النوم فكان الزكام كثيرا ما يصيبى و يتعبنى، فاستشرت طبيبا حاذقا، فلما رأى كثرة ما على بدنى من الثياب، و كان الوقت صيفا، قال إن هذه هى العلة: فإن ثيابك هى التى تقاوم البرد دون جسمك، فأقل تعرض للهواء يسقمك لأن جسمك لم يتعود المقاومة، فينبغى أن تعوده ذلك و الصيف لهو فرصتك، فخفف ثيابك شيئا فشيئا نم

ص: 171

عاريا إلا من غطاء رقيق و أوصد النوافذ فى البداية ثم افتحها قليلا قليلا حتى تألف ذلك فصدرت عن رأيه فجاء الشتاء ألفيتنى قد استغنيت عن المعطف و عن الأردية الصوفية أيضا، و أنا الآن أسن عما كنت و أضعف و إن بانى لركيك جدا، و لكن الشتاء أحب الفصول إلى. و أنا أقوى على احتماله من الضخام الأبدان، لأنى عودت جسمى المقاومة و لم أكلها إلى الملابس، لم أعول عليها فى ذلك. و هذا مثال المرأة المحجوبة و المرأة السافرة، فالأولى: لا قدرة لا على المقاومة إذا احتاجت إليها لأن غيرها يتولاها عنها- و اعنى بغيرها جدران البيت و الرجال الذين يحمونها- أما السافرة فقد نزلت إلى الميدان و برزت فهى خليقة أن تكتسب على الأيام القدرة على المقاومة و ان تستفيد حصانة ذاتية تغنيها عن وقاية الجدران و حماية الرجل.

و كان الأستاذ ساطع بك الحصرى يصغى إلى حوارى هذا و نحن فى السيارة، و يشارك فيه، فسأل الشيخ المغربى، هل أنت سفورى يا أستاذ؟".

قال الأستاذ" نعم فى حدود الشرع".

قال ساطع بك (و هل بناتك سافرات؟) قال الأستاذ (لا)

قال ساطع بك (إذن لست سفوريا) و أكد له أن السفور لا مهرب منه. من العبث محاولة الوقوف فى وجه تياره و أنه خير للأمة أن تشترك المرأة فى حياتها بنصيبها العادل.

على أنى أود أن أقول إن حجاب المرأة السورية لا يمنعها أن تقوم بجهد مشكور فى خدمة بلادها، و قد أنشأت السوريات جمعيات

ص: 172

شتى لحماية الطفولة و رعاية اليتامى و غير ذلك. و لكن النطاق بطبيعة الحال محدود.

و كانت الجلسة الأخيرة للمهرجان فى الجامعة السورية أيضا فأناب" الجنس اللطيف" عنه فتاة تدافع عن المرأة و تنقض أقوال المعرى فيها. و كانت فصيحة لبقة و إن لم تكن بارعة الجمال، و أحسب أن الطبيعة لا تجود بالمزايا بغير حساب، و قد ناصرت" الشرفات" فأثبنها مناصرة قوية فأكثرن من التصفيق، و لم يكن الرجال أقل تشجيعا فتعجبت أن الرجال يتقبلون دفاع الفتاة عن جنسها بصدر رحب، و يشجعونها و يثنون عليها، و لا يرون أن يناصروا رجلا منهم أساء الظن بالمرأة و اتهمها فى عقلها و دينها و خلقها، أما النساء فيتعصبن، و لا يكتمن عصبيتهن، فهل كن يفعلن ذلك لو كن غير حبيسات أو غير شاعرات بأنهن مهضمات الحق مغبونات فى المجتمع؟ أما كن خليقات أن يفسحن صدورهن كإفساح الرجال و يتقبلن كل رأى فيهن- لهن أو عليهن-؟ بلى و إن هذه لميزة الحرية أو أثرها المحمود.

انتهى

ص: 173

ص: 174

ثبت تعريف بالأعلام الواردة فى هذا الكتاب و فهرست تفصيلى لموضوعات الكتاب

اشارة

مقدمة حول أهمية التواصل مع هؤلاء الأعلام مع مؤلفاتهم و أفكارهم.

ثبت التعريف بواحد و خمسين علما: حياتهم و مؤلفاتهم و أفكارهم.

ثبت بالأسماء الواردة دون تفصيلات.

فهرست لكتاب رحلة الشام.

ص: 175

ص: 176

مقدمة حول أهمية التواصل مع هؤلاء الأعلام و مع مؤلفاتهم و أفكارهم

ص: 177

ص: 178

هذا ثبت للأعلام التى وردت فى كتاب رحلة الشام للمازنى. و هم واحد و خمسون عالما، من رواد الفكر و الثقافة و الإعلام و الفنون المختلفة، فى الوطن لعربى. و واضح أن هذه الأعلام تنتمى معظمها إلى الشام (سوريا، لبنان، الأردن- فلسطين) و العراق و مصر. أو هى الأعلام التى اختارها المازنى من بين الحاضرين فى المؤتمر و تحدث عنها، و ربما أغفل أعلاما آخرين لم يكونوا موضع حفاوة أو اهتمام من المؤتمر، أو لم تربطهم بالمازنى علاقة أو مواقف خاصة، هذا ما يفسر إهمال المازنى لأسماء بعض الشخصيات التى تحدث عنها لاشتراكها فى مواقف داخل المؤتمر أو خارجه، كاسم الصحفى الشيوعى و اسم رئيس حزبه ... الخ.

و قد أفاض فى الحديث عن بعضهم، و لم يذكر بعضهم إلا مرة واحدة و على سبيل السرد/ التداعى، كاسم العقاد رغم أنه لم يحضر إلى المؤتمر و كذلك اسم (الإمام) الشيخ محمد عبده، و محمد عبد الوهاب (الموسيقار) و تلمك (الخواجة) الذى حاول أن يعلم المازنى العزف على العود. و السباعى و هيكل، و البرقوقى، و الغاياتى، و روكلفر، و سامى الشوا، ... الخ لأن التداعى الحر

ص: 179

للأسماء و الحوادث المشابهة جاء بهذه الأسماء إلى نص رحلة الشام بصرف النظر عن حضورها أو عدم حضورها، لأن التداعى هو جوهر السرد لدى المازنى فى هذه الرحلة.

بينما أخذت بقية الأعلام مساحة أكبر من الحكى و الحوار و الوصف كالدكتور أسعد طلس، و السيد شكرى القوتلى، و ساطع الحصرى ... الخ و نظرا لبعد المسافة الزمنية بين تاريخ انعقاد مؤتمر أبى العلاء المعرى و بين زماننا الحاضر، رأى البحث أن يضع للأعلام الواردة فى هذا الكتاب و التعريف بهذه الأعلام قدر المستطاع ففيهم من ما توا فى الأربعينيات أو الخمسينيات أو الستينيات، و هذا يعنى أن كثيرا من قراء اليوم لم يسمعوا عن كثير منهم خاصة، و عدد كبير منهم عراقيون أو شاميون، اختفت أسماؤهم من الساحة الثقافية إما لموتهم و إما لانسحابهم من الحياة العامة مع بداية الخمسينات، فقد حلت أجيال جديدة بدلا منهم، و أودت التغيرات السياسية بعد الحرب العالمية الثانية و حتى نهاية العقد الخامس من هذا القرن، إلى ظهور مجموعة كبيرة من الأعلام تتجاوب مع الأوضاع الجديدة، و من ثم قلت مساهمة هذه الأعلام، و تراجع بعضهم عن المشاركة. و من ثم ساعدت الظروف السياسية و الاجتماعية و الفكرية الجديدة عقب الحرب العالمية الثانية و ما صحب ذلك من تغيير فى نظم الحكم، و طرق إدارة البلاد سياسيا و فكريا و ثقافيا، على نسيانهم. فقد كان التوجه نحو الثقافة الجماهيرية، و الانحياز إلى الفقراء و أبناء الطبقات المطحونة، أحد العلامات البارزة لفكر الحكومات الجديدة الوطنية التى تولت السلطة فى الوطن العربى بعد خروج الاستعمار الإنجليزى

ص: 180

و الفرنسى ثم الإيطالى فيما بعد، و من ثم كان هؤلاء الليبراليون مختلفين عن المنهج الجديد فى نظم الحكم العربية.

و من ثم كان لابد أن تظهر فى الثقافة و السياسة شخصيات جديدة، و فى كل فروع الأدب و الفن، خاصة و الأفكار الجديدة كانت تحتاج شخصيات لها تكوينات جديدة مختلفة عن التكوينات الثقافية السابقة، رغم عدم الاستغناء عنها. إذ على الرغم من ليبرالية العقاد مثلا أو طه حسين- و إن كان له حس اشتراكى- فقد احتاج الواقع إلى فرسان و أعلام جدد، و لهذا تحدث هذه الفترة مخاضا سياسيا حتى استقرت نظم الحكم و عدلت من أوضاعها، و أخذت لنفسها، الشكل السياسى المناسب، و التنظيمات السياسية المناسبة، و قد شهدت مصر و الشام بخاصة طروحات نظرية سياسية و ثقافية جديدة، منذ عقد الأربعينات حتى هزيمة يونيو (1967) و لكن الأنظمة العربية كلها كانت تعتقد فى ضرورة الوحدة العربية تحت أى شكل من الأشكال، و على الرغم من عدم تحقق الوحدة العربية حتى الآن، فإنها ضرورة، واجبة، لمواجهة التكتل العالمى الجديد، و مواجهة المشكلات العربية الداخلية.

و كان من الواضح، أن الأعلام التى أعطاها المازنى عناية كبيرة كانت تشترك فى عدة أمور.

أولها: إيمانها العميق بالقومية العربية، و ضرورة الوحدة العربية لمواجهة التمزق السياسى و الاجتماعى الذى سببه الاستعمار طوال عشرات السنين من هذا القرن.

ثانيها: كانوا أعضاء فى المجمع العلمى بدمشق و بغداد و مجمع اللغة العربية بالقاهرة، و يعنى هذا أن المفكرين و المثقفين و الأدباء

ص: 181

كانوا خلال فترة الأربعينات طليعة هذه الوحدة، و المنادين بالقومية العربية دون انغلاق، و ضد الإقليمية و التعصب و النظر إلى الأمور بعين واحدة.

ثالثهما: كان يجمع هذه الأعلام أن معظمها شارك فى السياسة و الجهاد و النضال ضد المحتل كل بطريقته، و حسب ظروفه. هذا ما نجد صداه فى مؤلفاتهم فى هذه الفترة الممتدة فيما بين الحربين العالميتين بعامة. و العقد الرابع بخاصة، فقد كان منهم الوزراء و المحافظون و الأمراء و الرؤساء و الصحفيون و الإذاعيون و الشعراء و النقاد. و يعنى هذا أنهم لم يفرقوا بين الموقف السياسى العام و ما يوازيه أو يأتى بعده من مواقف ثقافية أدبية أو فنية أو فكرية.

إن هذا المؤتمر يمثل حلقة من حلقات التجمع الثقافى العربى، يسبق بكثير جدا، وحدة مصر و سوريا، أو وحدة مصر و سوريا و السودان و ليبيا، أو وحدة مصر و السودان، أو محاولات الوحدة فيما بين ليبيا و دول المغرب، أو السعودية مع دول الخليج العربى.

رغم أن مشروعات الوحدة كلها قد منيت بالفشل، فلا زالت الوحدة العربية أو على أقل تقدير (التكامل العربى) ضرورة واجبة، فى ظل مصادر العالم العربى المتنوعة الغزيرة، النشاط البشرى الضخم، أمام التحديات العالمية على كل المستويات.

إن كتاب رحلة الشام يشير- مباشرة- إلى مرحلة ذهبية من مراحل الثقافة العربية، و يوضح لنا صورة مشرقة لما كان عليه المثقفون العرب، بصرف النظر عن طبيعة السلطة فى كل بلد على

ص: 182

حدة. و بصرف النظر عن أفاعيل الاستعمار فى هذه البلاد و فى أهلها، إن المثقفين قد صنعوا هذا التحدى رغم الاستعمار و التخلف، و هم الآن يحتاجون إلى هذا رغم وجود الحكومات الوطنية.

و يقدم هذا الكتاب، هذه التعريفات المختصرة دون تحيز لمصرى أو عراقى أو شامى، و دون أن يكون هناك مقياس سوى الرغبة فى التعريف برواد نهضتنا و بمؤلفاتهم، و مراحل حياتهم، فى ظرف يعيش فيه العالم العربى لحظة فاصلة فى تاريخ الثقافة العربية، وسط عالم متغير، ليس فيه يقين بعقيدة أو ايدولوجية، فهناك عقائد تسقط، و ايدولوجيات تهوى، و ما كان مرفوضا بالأمس يقبل اليوم و هكذا.

و نحن- فى ظل هذا التغير- نحتاج إلى وقفة مع النفس، نراجع فيها أصولنا القريبة، لنبنى عليها، و نقيم معها الجسور، حتى يعود التواصل بين الوطن العربى من جديد. و قد حاول" ثبت الأعلام" أن يشير إلى مؤلفات هذه القيادات الفكرية لعلنا نتواصل معها، و نضيف إليها، و نطورها، و نطبع منها ما هو قابل للاستمرار حتى الآن.

و يجب أن نلاحظ هنا أننا اعتمدنا فى هذه التعريفات- لعمل تراجم بسيطة- على مؤلفين أساسيين: مصادر الدراسة الأدبية لأسعد داغر. و الكتاب التذكارى لمجمع اللغة العربية المعنون به مجمع اللغة العربى فى ثلاثين عاما، كما استفدت من كتاب رحلة الشام نفسه لعمل تعريفات سريعة لبعض الأعلام أو الشخصيات التى لا توجد فى أى معجم، لأنها شخصيات إما غير مؤثرة، أو ثانوية.

ص: 183

ص: 184

ثبت التعريف بواحد و خمسين عالما حياتهم و مؤلفاتهم و أفكارهم تراجم بسيطة

ص: 185

ص: 186

______________________________

(1) أسعد داغر (1886- 26/ 11/ 1985 م) أديب لبنانى عمل طويلا فى خدمة القضايا العربية، و أخصها قضية فلسطين كما عمل صحفيا، فكان من أركان الصحافة العربية فى مصر، و هو من العاملين على بعث فكرة القومية العربية، و استقلال العرب و تحررهم من سيطرة الاستعمار و الانتداب و الاحتلال الأجنبى.

ولد فى تنورين من قضاء البترون، و أتم دراسته الثانوية فى مدينة غنطورا، سافر إلى اسطنبول (1904) و التحق- فيها- بمدرسة الحقوق. حكم عليه هناك الإعدام بسبب نشاطه السياسى و تمكن من الفرار إلى (مصر) و أقام بها حتى وفاته رافق الملك فيصل إلى دمشق، و أسس فيها جريدة العقاب. لما احتل الفرنسيون دمشق فر مع الملك فيصل و إتباعه و رجع إلى (مصر) حيث أشرف على السياسة العربية فى جريدة (المقطم) ثم تسلم رئاسة القسم

ص: 187

الخارجى فى جريدة (الأهرام). و فى (1953 م) أصدر جريدته (القاهرة) كما أسس فى القاهرة جمعية (الوحدة العربية) و كان أمين سرها الدائم.

مؤلفاته:

1- ثورة العرب. مطبعة المقطم (1916 م) القاهرة.

2- حضارة العرب، مطبعة المقتطف (1981 م). القاهرة.

3- مذكرات على هامش القضية العربية، ج 1 (1958) القاهرة.

4- عمر و جميلة، ترجمة (تأليف هنرى بوردو)

5- بعد العاصفة.

6- مذكرات غليوم الثانى.

انظر: (يوسف أسعد داغر، مصادر الدراسة الأدبية، ج 2 ق 1، ص 416/ 417).

______________________________

(2) عباس محمود العقاد (1898- 1964) ولد بمدينة أسوان حيث تلقى تعليمه الابتدائى، و تعلم بعض العلوم خارج المدرسة، عمل بوظائف حكومية كثيرة، كانت الصحافة آثرة لديه، عمل أول عمله فى جريدة الدستور (أصدرها محمد فريد وجدى) ثم كتب فى كل الدوريات المصرية تقريبا. صدر له

ص: 188

نحو مائة كتاب كما ترجم كثيرا من المؤلفات الشرقية و الغربية، و هو أحد مفكرى العرب وساساتهم فى هذا القرن.

انظر:

(مجمع اللغة العربية، فى ثلاثين عاما ج 2، ص 84 و ما بعدها).

(يوسف أسعد داغر، مصادر الدراسة الأدبية، ج 3، ث 2، ص 849 و ما بعدها).

______________________________

(3) طه حسين (الدكتور) (1889- 1973) ولد فى عزبة الكيلو (مركز مغاغة محافظة المنيا) تعلم بالأزهر الشريف منذ (1902) إلى (1908) عام افتتاح الجامعة المصرية، ناقش فى (5 مايو 1914) رسالته للدكتوراه عن" ذكرى أبى العلاء" بالجامعة المصرية. فأوفدته بعثة إلى فرنسا فى (نوفمبر 1914) و التحق بجامعة مونبلييه، و عاد فى العام نفسه لظرف الجامعة الاقتصادية، و بعد حل أزمة الجامعة الاقتصادية سافر ثانية (ديسمبر 1915) إلى كلية الآداب جامعة باريس فحصل على الليسانس من السوريون (1917) ثم على الدكتوراه (يناير 1918) عن فلسفة ابن خلدون، و حصل بعدها على دبلوم الدراسات العليا مايو/ يونيو 1919 (قدم عاد إلى مصر (أكتوبر 1919) فعين أستاذا للتاريخ القديم. ثم عين (1925) أستاذا لتاريخ الأب العربى. و فى عام (1928) عين عميدا للآداب ثم اختارته الكلية عميدا (1930).

ص: 189

و فى (3 مارس 1932 م) قرر وزير المعارف نقله إلى وزارة المعارف، ثم أحيل للتقاعد فى 29 مارس 1932 عند ما رفض العمل، و بعدها عمل بالصحافة حتى عاد عميدا مرة أخرى فى (مايو 1936) حتى (مايو 1939) و انتدب مديرا لجامعة الإسكندرية فى (أكتوبر 1942) ثم عين (يناير 1950) وزيرا للمعارف فى الوزارة الوفدية. عين عضوا بمجمع اللغة العربية (1940) نائبا لرئيس المجمع بالانتخاب (1960) ثم رئيسا خلفا للأستاذ لطفى السيد.

انظر:

(مجمع اللغة العربية فى ثلاثين عاما. ص 79 و ما بعدها)

______________________________

(4) أحمد أمين (بك) (1886- 1954) من مواليد حى الخليفة بالقاهرة، تلقى تعليمه الأولى بالكتاب ثم بالأزهر. عمل فى مهنة التدريس بالمدارس، التحق بمدرسة القضاء الشرعى (1907) و تخرج فيها (1911) فعين فيها مدرسا حتى (1913)، ثم عاد إليها حتى عام (1921) منح الدكتوراه الفخرية من الجامعة المصرية (1926)، و أسندت إليه عمادتها (1939) أسس مع زملائه لجنة التأليف و الترجمة و النشر (1914) ثم أصدر مجلة الثقافة الأسبوعية و كتب مؤلفات كثيرة فى الفلسفة و الأخلاق و الأدب و اللغة و الفقه الإسلامى أشهرها فجر الإسلام، ضحى الإسلام، ظهر الإسلام، يوم الإسلام.

ص: 190

انظر:

(اللغة العربية فى ثلاثين عاما ج 2 ص 23 و ما بعدها)

______________________________

(5) عبد الوهاب عزام (الدكتور) (1883- 1959) ولد بالشوبك الغربى بمحافظة الجيزة. و التحق بالأزهر ثم انتقل إلى مدرسة القضاء الشرعى و تخرج منها أول زملائه (1902) فاختير مدرسا بها. ثم حصل على اليسانس الآداب من الجامعة المصرية (1920) ثم التحق بمدرسة اللغات الشرقية بلندن و نال فيها درجة الماجستير عن" التصوف عند فريد الدين العطار عام (1928) عاد بعدها ليعمل مدرسا فى الجامعة المصرية التى حصل فيها على الدكتوراه فى الأدب الفارسى عام (1932) ثم عين أستاذا و رئيسا لقسم اللغة العربية و اللغات الشرقية. ثم عميدا لكلية الآداب (1945) له مؤلفات بالعربية و الفارسية و ترجمات عنهما. و له كتاب بعنوان" رحلات عبد الوهاب عزام" اختير عضوا بمجمع اللغة العربية (1946).

انظر:

(مجمع اللغة العربية فى ثلاثين عاما ج 2 ص 120 و ما بعدها)

ص: 191

______________________________

(6) عبد الحميد العبادى (1892- 1965) ولد بالإسكندرية و تعلم بها، ثم التحق بمدرسة المعلمين العليا بالقاهرة، و تخرج منها (1914).

عمل مدرسا فى المدارس الثانوية بالجمعية الخيرية الإسلامية.

درس بالجامعة المصرية، ثم عين مدرسا للتاريخ الإسلامى بمدرسة القضاء الشرعى ثم أستاذا للتاريخ الإسلامى فى دار العلوم، ثم شغل الوظيفة نفسها بالجامعة المصرية الحكومية. و اختير عميدا لآداب الإسكندرية عند إنشائها. و أخيرا عين أستاذا بمعهد الدراسات العربية العالمية بالقاهرة (1952).

و أخيرا عضوا بمجمع اللغة العربية (1951) له عدة ترجمات فى التاريخ الإسلامى العربى و الأندلسى و عدة بحوث مهمة فى هذا التخصص.

انظر:

(مجمع اللغة العربية فى ثلاثين عاما ج 2 ص 92- 93)

(7) أحمد الشايب أحد أساتذة اللغة العربية و البلاغة بدار العلوم ثم بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول له بحوث و دراسات مهمة فى البلاغة، و علم الأسلوب، و هو أحد المناصرين للحداثة و التجديد منذ عشرينات القرن العشرين.

ص: 192

______________________________

(8) إسعاف النشاشيبى (1882- 22/ 1/ 1948) أديب فلسطينى من كبار المحققين و أحد شيوخ الأدب و التاريخ فى العصر الحديث عين فترة طويلة مفتشا أول للغة العربية فى فلسطين، فنظم المدارس و أصلح التعليم و جدده. تولى رئاسة تحرير مجلة" الأصمعى" و مجلة" النفائس" كما ساهم فى تحرير مجلة" المنهل".

ولد بالقدس، و تربى فى بيت ثروة، يرجع نسب النشاسيبى إلى أحد رجال السلطان الملك الظاهر جمقمق. كان أبوه مبعوثا لفلسطين فى مجلس" المبعوثان". كون إسعاف مكتبة ضخمة مثوى للأدباء و العلماء.

له مؤلفات كثيرة فى اللغة، و أعلام العروبة و الإسلام.

انظر:

(مصادر للدراسة الأدبية ج 2، ص 744 و ما بعدها)

(9) اليام شاغورى صاحب مجلة الأحد الأسبوعية

(10) محمد كرد على (1876- 1953) ولد بدمشق، و عند ما بلغ السادسة من عمره الحق بمدرسة" كافل يباى" الابتدائية، ثم دخل المكتب الرشدى العسكرى فدرس

ص: 193

فيه مبادئ التركية و الفرنسية، و لما أحرز شهادة المدرسة الرشيدية عين مدة ست سنين موظفا فى قلم الأمور الأجنبية.

و فى هذه الفترة عكف على التركية، و الإطلاع على الآداب الفرنسية و الآداب العربية و العلوم الإسلامية و تعلم إلى جانب ذلك الفارسية.

عمل بالصحافة و عمره ست عشرة سنة و اتصل بمجلة المقتطف فذاعت شهرته ثم هاجر إل مصر (1901) و حرر فى عدد من الجرائد هى: الرائد المصرى، الظاهر، المؤيد، و أصدر فى مصر مجلة" المقتبس" (1906). و فى أثناء الحرب العالمية الأولى تولى تحرير جريدة" الشرق" التى أصدرها الجيش. و عند ما أنشئ المجمع العلمى العربى انتخب رئيسا له حتى وفاته. و تولى وزارة المعارف السورية مرتين و له عدة مؤلفات و تحقيقات فى التاريخ و البيان.

انظر:

(مجمع اللغة العربية فى ثلاثين عاما ج 2 ص 193 و ما بعدها)

______________________________

(11) روكفلر ملياردير أمريكى واحد ساسة الولايات المتحدة الأمريكية.

(12) سامى الشوا عازف كمان مصرى من أشهر عازفى هذه الآلة الموسيقية فى عصرها الحديث.

ص: 194

______________________________

(13) نزهة العراقية مطربة عراقية، أخرجت من العراق لأسباب سياسية. و اعتقلت فترة فى سوريا فى وقت كان لا يسمح فيه للفنانات أن يجلسن فى حضرة الرجال المحترمين.

(14) فخرى البارودى أديب سورى، أحد نواب دمشق فى البرلمان.

(15) الأمير مصطفى الشهابى (1893- مايو 1968) هو الأمير مصطفى محمد سعيد الشهابى، ولد فى حاصبيا.

و درس فى دمشق و اسطنبول و فرنسا، ثم دخل مدرسة غرينيون الزراعية العالية و حصل منها على شهادة مهندس زراعى. تقلب فى مناصب الدولة فعين وزيرا فى أربع وزارات، عمل عضوا فى جمعية" العربية الفتاة" و جمعية" العهد" و كان أحد أعضاء وفد المعاهدة بين سوريا و فرنسا عام (1936).

له مؤلفات مهمة فى الزراعة و تعريب المصطلحات و التاريخ و الأدب و القومية العربية و الاستعمار. كتب فى" المقاطف" و" الهلال" و مجلة المجمع العلمى بدمشق.

انظر: (مصادر الدراسة الأدبية ج 3، ق 1، ص 66 و ما بعدها)

ص: 195

______________________________

(16) خليل بك مردم (1895- 1959) أديب سورى عالم و باحث و شاعر من أئمة الأدب فى سوريا و رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق (1953- 1959) ولد بدمشق حيث درس علومه الابتدائية و الثانوية، أتم تحصيله فى جامعة لندن، عمل فى الرابطة الأدبية التى تألفت فى دمشق عام (1921) كما عمل فى تجويد الشعر متأثرا بدعوة الرابطة القلمية فى نيويورك.

وقف دراسته على الأدب القديم و إحيائه.

شغل وظيفة مميز ديوان الرسائل (1919) ثم أمينا عاما لرئاسة الوزارة فى عهد رضا باشا الركابى (1920) ثم رئيسا للأدب العربى فى الكلية العلمية الوطنية (1929) حتى (1938) ثم وزيرا للمعارف (1941) حتى (1949)، عين عضوا فى لجنة تحرير دائرة المعارف الإسلامية (1951) و وزيرا للخارجية (1953) و فى السنة نفسها انتخب رئيسا للمجمع العلمى العربى (1/ 11/ 1953).

له مؤلفات متعددة فى أعلام الأدباء العرب القدامى و شعراء الشام، و حقق مجموعة من الدواوين و له كتاب عن" أعيان القرن الثالث عشر فى الفكر و السياسة و الاجتماع".:

انظر:

(مصادر الدراسة الأدبية ج 3، ق 2، ص 1182 و ما بعدها).

ص: 196

______________________________

(17) أسعد طلس الدكتور أديب سورى مؤرخ عمل أستاذا فى وزارة المعارف ثم فى كلية الآداب فى بغداد عند لجوئه إليها بعد فشل انقلاب الزعيم الحناوى، له مؤلفات فى تاريخ الأمة العربية و فهرسة المخطوطات العربية فى مكتبات حلب و فلسطين و بغداد.

ولد بحلب و تلقى فيها تعليمه الابتدائى و الثانوى ثم نال الدكتوراه من الجامعة المصرية و تابع دراسته فى جامعة بوردو، و نال منها الدكتوراه، و عين (1948) قائما بأعمال المفوضية السورية فى أثينا و عين (1949) أمينا عاما لوزارة الخارجية السورية و غادرها إلى بغداد بعد الانقلاب الثالث (1949) حيث عمل بالتدريس بكلية الآداب ثم عاد بعد انتهاء حكم الشيشكلى، ثم اختير مديرا عاما لمؤسسة اللاجئين (1956).

له عدة مؤلفات عن الأمة العربية و الإسلام، و العلاقات بين مصر و الشام و عن بعض أعلام العرب مثل ابن جنى و المعرى و الشيخ عبد القادر المغربى.

انظر

(مصادر الدراسة الأدبية ج 3، ق 1، ص 721، 722).

ص: 197

______________________________

(18) لطفى الحفار (بك) رئيس مجلس الوزراء السورى بالنيابة فترة انعقاد مؤتمر المعرى.

(19) مهدى البصير (الدكتور) ممثل العراق فى مؤتمر المعرى.

(20) عبد القادر المبارك (الشيخ) أحد علماء الشام و عضو المجمع العلمى بدمشق و عضو المؤتمر.

(21) شكرى القوتلى أحد الساسة السوريين المرموقين، ظل فترة طويلة يقاوم الاحتلال الفرنسى، انتخب رئيسا لجمهورية سوريا بعد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسى و كان من أصحاب الفكر القومى العربى الوحدوى، كان الطرف الثانى فى تحقيق الوحدة السورية مع الراحل الرئيس جمال عبد الناصر بين (1958- 1961).

ص: 198

______________________________

(22) سعد الله الجارى (بك) رئيس وزارة سورى، استقال قبل مؤتمر المعرى بأيام.

(23) طه الراوى (- 1946) أحد أعلام الأدب و التاريخ فى العراق الحديث، ولد فى بغداد و درس فى مدارس الحكومة الابتدائية و الرشيدية ثم فى المدارس التابعة للأوقاف، عين لدى تخرجه مديرا لمدرسة الكرخ فمدرسا للآداب العربية فى دار المعلمين و مدرسة الهندسة و الموظفين ثم انتقل إلى المدرسة الثانوية أستاذا للآداب العربية و علم الأخلاق، تلقى دراسة الحقوق فى بغداد و نال شهادته من جامعتها (1925).

ألف كتابا عن أبى العلاء المعرى بعنوان" أبو العلاء فى بغداد" مطبعة التفيض الأهلية، 1944" و له كتاب عن تاريخ علوم اللغة العربية و بغداد مدينة السلام.

انظر:-

(مصادر الدراسة الأدبية، ج 2. ق 1، ص 382- 383).

ص: 199

______________________________

(24) ساطع بك الحصرى ساطع هلال الحصرى (1880- 21/ 12/ 1968) هو أبو خلدون ساطع الحصرى، مفكر سورى، من قادة الرأى و الفكر و الإصلاح العربى، و من بناة النهضة التعليمية فى سوريا و العراق و مصر. و هو مؤرخ القومية العربية و فيلسوفها حلبى الأصل، يمنى المولد، ولد فى صنعاء لأب كان فيها رئيس محكمة الاستئناف تنقل مع والده بين صنعاء و أطنه و انقره و طرابلس الغرب و قونية.

نما ساطع فى هذه التنقلات و دخل القسم الإعدادى فى المدرسة الملكية فى الآستانة و تخرج منها (1900) و عين معلما لتدريس العلوم الطبيعية فى (يانيفا) خمس سنوات، ثم عين" قائم مقام" على قضاء رواشينه التابعة لولاية مناسيتر على حدود يوجوسلافيا عمل مع الشبان الذين أعلنوا ثورتهم ضد السلطان عبد الحميد و كانت مناسيتر مركز هذه الثورة (1908).

عين فى المدرسة الملكية بعد إعلان الدستور و تخرج فيها، و علم فيها" علم الأقوام"" و فن التربية" فى دار الفنون فى مدرسة دار الخلافة العلمية، كما تولى مديرية دار المعلمين عقب إخماد الحركة الرجعية و خلع السلطان عبد الحميد (1909).

أنشأ فى بداية الحرب العالمية الأولى مدرسة حديثة للأطفال و المعلمات.

و عقب انتهاء الحرب و جلاء الأتراك عاد لسوريا من الآستانة فعين فى مديرية المعارف ثم وزيرا لها فى عهد الملك فيصل و بعد

ص: 200

هزيمة ميسلون فر مع فيصل لأوربا، و لما تولى فيصل عرش العراق استدعاه فعمل وزيرا للمعارف و رئيسا لكلية الحقوق، و مديرا للآثار القديمة لمدة عشرين عاما.

ثم جاء بيروت إثر ثورة على الكيلانى ضد الإنجليز (1941) و مكث سنتين عاد بعدها إلى دمشق و عين مستشارا فنيا لوزارة المعارف ثلاث سنوات، ثم انتقل إلى مصر و عين أستاذا محاضرا فى معهد التربية العالى للمعلمين ثم عهد إليه بمستشاريه الإدارة الثقافية فى جامعة الدول العربية حتى عام (1951) ثم عين مديرا لمعهد الدراسات العربية العالمية و هو من مؤسسيه. توفى فى بغداد و معظم مؤلفاته تدور حول القومية العربية و الثقافة العربية و الدفاع عنهما، ضد الإقليمية و التمزق و أشهر دراساته بلا شك عن ابن خلدون منها:-

- دراسات عن مقدمة ابن خلدون- بيروت- مطبعة الكشاف، 1943، ج 1، ج 2.

- آراء و أحاديث فى الوطنية و القومية، ج 3، بيروت دار العلم للملايين 1957.

- آراء فى القومية العربية القاهرة 1951، مطبعة الاعتماد.

- العروبة، طبعة بيروت، دار العلم للملايين، 1955.

- دفاع عن العروبة، دار العلم للملايين، 1955.

- الإقليمية جذورها و بذورها بيروت، دار العلم للملايين 1963.

و غيرها.

انظر:- مصادر الدراسات الأدبية ج 3، ق 1، ص 225.

ص: 201

______________________________

(25) عبد القادر المغربى (الشيخ) (1867- 1956) هو أحد زعماء الحركة الفكرية و الأدبية و اللغوية فى نهضة الأمة العربية الحديثة من أصل مغربى، ولد فى اللاذقية، جاء إلى مصر (1905) فرارا من الاضطهاد التركى و لما أعلن الدستور العثمانى (1908) عاد إلى بلده طرابلس الشام و أنشأ فى (1911) جريدة البرهان فى طرابلس حتى سنة (1914) و اشترك فى (1915) فى تأسيس الكلية الصلاحية العثمانية بالقدس لتخريج الدعاة، و عين فى (1916) مديرا لجريدة الشرق ثم عهد إليه فى سنة (1923) بتدريس اللغة العربية و الآداب العربية فى كلية الحقوق السورية.

ترك مؤلفات فى الدين و اللغة و الأدب مثل الاشتقاق و التعريب و عن جمال الدين الأفغانى، تفسير جزء تبارك، و له عدة مخطوطات و عرف بنشاطه فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

أنظر:- (مجمع اللغة العربية فى ثلاثين عاما) (ص 1107) و ما بعدها.

(26) محمد عبده (الشيخ الإمام) (1849- 1905) من مواليد الغربية، هو حكيم مصر فى العصر الحديث و أحد أركان النهضة العربية و من اشهر دعاة الإصلاح، و إلى الثورة العرابية

ص: 202

فنفى من مصر بعد الاحتلال الإنجليزى (1882) إلى بيروت لمدة سنة انتدب فيها للتعليم فى الكلية الإسلامية ثم غادر إلى باريس ليلحق بجمال الدين الأفغانى فتعاونا على إنشاء مجلة" العروة الوثقى" عاد إلى بيروت مرة أخرى ليعمل فى المدرسة السلطانية و هناك ألف رسالة التوحيد" بولاق 1315 ه" و وضع شرح مقامات بديع الزمان الهمذانى و نهج البلاغة و عرّب رسالة الأفغانى فى الرد على الدهريين و بعد العفو عنه عاد لمصر و تولى مناصب أهمها عضوية مجلس إدارة الأزهر و مفتى الديار المصرية و التدريس فى الأزهر فترك من هذه الفترة تفسير ستة أجزاء من القرآن 1324 ه، و ألف كتاب" الإسلام و النصرانية 1323 ه.

و كان- بعد أن نال درجة العالمية من الأزهر (1877 م) قد انتدب لتدريس الأدب و التاريخ بدار العلوم و مدرسة الألسن، كما عمل فيما بعد محررا للوقائع المصرية ثم تولى رئاسة تحريرها مدة عشر سنوات. مصادر الدراسة الأدبية ج 2، ق 1، ص 597.

______________________________

(27) عز الدين آل علم الدين التنوخى (1889- 1966) أديب و مهندس زراعى سورى، عمل طويلا بالتدريس، ولد بدمشق و فيها تلقى علومه الابتدائية و الإعدادية فى مدرسة القرير بيافا، أرسله والده إلى الأزهر مدة خمس سنوات عاد بعدها ليدرس فى

ص: 203

مسجد دمشق الجامع. و أرسل عام (1910) فى بعثة دراسية إلى باريس ثلاث سنوات (فى الزراعة)، دعى للخدمة العسكرية فى الحرب فوصل إلى حلب و منها فر إلى العراق و منها التحق بالثورة العربية الكبرى (1916) و لم يلبث أن دخل مع جيش الأمير فيصل إلى دمشق حيث عينه عضوا فى لجنة الترجمة و التأليف ثم عضوا فى ديوان المعارف.

استقال بعد قليل و عين فى العراق معلما فى دار المعلمين الأولية ثم أستاذا فى دار المعارف العليا، عام (1942) عين أستاذا بكلية الآداب بدمشق ثم أحيل عام (1953) إلى التقاعد فتفرغ للمجمع العلمى حيث انتخب عام (1961) عضوا مراسلا فى المجمع العلمى العراقى ... تدور أعماله حول دراسات الأدب و اللغة العربية (مصادر الدراسة الأدبية.

ج 3، ق 1، ص 235.

______________________________

(28) الحراكى (بك) أحد وجهاء سوريا بالمعرة.

(29) حمدى يابيل مراسل إذاعة الشرق الأدنى فى يافا الفلسطينية.

ص: 204

______________________________

(30) بشر فارس (الدكتور) (1907- 21/ 2/ 1963) لبنانى المولد، مصرى الإقامة، و هو باحث و شاعر و ناقد و مسرحى، ولد بكفيا و كان اسمه أدوار و هاجر إلى مصر و تلقى علومه بها و غير اسمه إلى بشر تخصص فى الأدب العربى من جامعة باريس حيث نال الدكتوراه (1932) على أطروحته" العروض عند العرب" توفى بالقاهرة إثر نوبة قلبية مفاجئة.

له مؤلفات بالعربية و الفرنسية مثل:-

- مباحث عربية فى اللغة و الاجتماع، القاهرة، دار المعارف 1939.

- سوانح مسيحية و ملامح إسلامية، القاهرة، 1962.

- المصاعب اللغوية و الثقافية و الاجتماعية التى تعترض الكتاب المعاصرين و لا سيما فى مصر- باريس مطبعة جونز. (مصادر الدراسة الأدبية ج، 3، ق 22، ص 933).

(31) عبد الحميد دياب أحد أعيان لبنان.

(32) عمر أبو ريشة شاعر شامى من أصحاب المذهب الرومانسى.

ص: 205

______________________________

(33) الجابرى (دكتور) مدير الرقابة فى دمشق.

(34) عزمى النشاشيبى مدير محطة الإذاعة بالقدس بفلسطين.

(35) الخواجة تلماك مدرس موسيقى كان له محل (دكان) بجوار الجريدة التى يعمل فيها المازنى بالقاهرة بالقرب من سراى البارودى.

(36) سليمى باشا مطربة عراقية.

(37) هاشم (بك) الأتاسى الرئيس الأسبق لسوريا قبل شكرى القوتلى.

ص: 206

______________________________

(38) السباعى (عبد المنعم) أحد الأدباء و المترجمين المهمين فى بدايات القرن العشرين فى مصر.

(39) نصوح (بك) البخارى.

وزير المعارف السورى أثناء الفترة التى عقد فيها المؤتمر.

(41) نصوح هابيل نقيب الصحفيين السوريين فى فترة انعقاد المؤتمر و صاحب جريدة الأيام.

(40) نجيب الريس أديب و شاعر سورى و صاحب جريدة القبس.

(42) محمد عبد الوهاب هو الموسيقار محمد عبد الوهاب المصرى الذى لقب بعدة ألقاب منها فنان الشعب، و منها موسيقار الأجيال، اهتم فى موسيقاه بصلة الموسيقى العربية التقليدية و بما وصلت إليه الموسيقى فى العالم الحديث.

ص: 207

______________________________

(43) بدوى الجبل هو الشاعر محمد سليمان أحمد، شاعر سورى و كان نائبا فى البرلمان.

(44) فارس (بك) الخورى رئيس مجلس النواب السورى.

(45) يوسف العيسى أديب سورى و صاحب مجلة ألف باء.

(46) شفيق جبرى شاعر سورى.

(47) البرقوقى صاحب مجلة البيان.

(48) محمد حسين هيكل كاتب و أديب مصرى له ترجمات و دراسات إسلامية كثيرة كان نصيرا للتحديث و التجديد عمل بالسلك الديبلوماسى، توفى 1956.

ص: 208

______________________________

(49) شيخ على الغاياتى شاعر و مناضل و صحافى مصرى.

(50) قدرى بك طبيب مناضل ضد سلطة الأتراك و الفرنسيين، زامل شكرى القوتلى فى نضاله.

(51) فلك طرزى شاعرة سورية.

هوامش

اعتمد التحقيق فى عمل الببلويوجرافيا و التعريف بالأعلام فى كتاب رحلة الشام على مصدريين أساسيين:-

1- يوسف أسعد داغر، مصادر الدراسة الأدبية.

2- اللغة العربية فى ثلاثين عاما ج 2 كتاب تذكارى أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

ص: 209

ص: 210

ثبتت الأعلام كما وردت فى رحلة الشام

1- أسعد داغر.

2- عباس محمود العقاد.

3- طه حسين (دكتور).

4- أحمد أمين.

5- عبد الوهاب عزام (دكتور).

6- عبد الحميد العبادى.

7- أحمد الشايب.

8- إسعاف (بك) النشاشيبى.

9- إيليام شاغورى.

10- محمد كرد على.

11- روكلفر.

ص: 211

12- سامى الشوا.

13- نزهة العراقية.

14- فخرى البارودى.

15- مصطفى الشهابى (الأمير).

16- خليل (بك) مردم.

17- أسعد طلس (دكتور).

18- لطفى الحفار (بك).

19- مهدى البصير (دكتور).

20- عبد القادر مبارك (الشيخ).

21- طه الراوى.

22- ساطع (بك) الحصرى.

23- سعد الله الجارى بك.

24- عبد القادر المغربى.

25- شكرى القوتلى (الرئيس).

26- عز الدين آل علم الدين التنوخى.

27- الحراكى (بك).

28- حمدى بابيل.

29- بشر فارس (دكتور).

30- عبد الحميد دياب (تاجر).

31- عمر أبو ريشة.

ص: 212

32- الجابرى- دكتور).

33- عزمى النشاشيبى.

34- تلماك (الخواجة).

35- سليمى باشى.

36- هاشم (بك) الاتاسى.

37- السباعى (عبد المنعم).

38- نصوح بك البخارى.

39- نجيب الريس (الأستاذ).

40- نصوح هابيل.

41- محمد عبده (الشيخ).

42- محمد عبد الوهاب.

43- بدوى الجبل (الشاعر).

44- فارس (بك) الخورى.

45- يوسف العيسى.

46- شفيق جبرى.

47- البرقوقى.

48- هيكل (دكتور حسين).

49- (السيد) الغاياتى.

50- قدرى بك (دكتور).

51- فلك طرزى.

ص: 213

فهرست تفصيلى للأفكار و الموضوعات فى تسلسلها من الكتاب مرقمة بأرقام الفقرات الكبيرة التى قسم بها المازنى كتابة و هى ثمانى عشرة فقرة (أو وحدة) بعد المقدمة مقدمة

رحلة الصيف إلى العراق- رحلة الشتاء إلى الشام و فلسطين- المسألة القومية تبدأ بعدم التدخل فى شئون الغير و المحافظة على المصرية- مصر كتاب مفتوح للعرب- اهتمام العرب بمصر لأهميتها لديهم- الوحدة العربية أمل لهم:-

1- مجلس النقابة يكلف المازنى بالسفر و هو بالإسكندرية- المازنى يعمل لكسب قوت يومه- كيف اختار موضوع البحث- دعوة الأساتذة و الأدباء لحضور هذا المؤتمر من أعلام الثقافة فى مصر و العالم العربى- حيرة المازنى فى اختيار الموضوع.

ص: 214

2- الطائرة و المطار و الركاب- فلسطين ترده مرات بسبب الاحتلال- الاتصال بمحطة القدس اللاسلكية- الوصول بعد اللد إلى مطار المزة- استطراد حول زياراته السابقة لدمشق- دمشق جنة فى الأرض- الفندق السورى.

3- اليوم الأول من الزيارة- المازنى عضو فى المجمع العلمى السورى- النسيان- غلاء الحياة فى دمشق عنها فى مصر.

4- حكاية سامى الشوا مع فتيات البنك السورى- حكاية نزهة العراقية- حكاية فخرى البارودى.

5- زيارة مصايف الشام- حفاوة الشام بالوفد المصرى، زيارة المجلس النيابى. طه حسين يلقى كلمة شكر- زيارة مجلس الوزارة- صورة جميلة لتأليف الوفد المصرى- الرئيس شكرى القوتلى.

6- أربعون مشاركا فى المؤتمر- بساطة العلاقات بين الناس- مزية لشباب الشام.

ص: 215

ص: 216

الفصل الثانى تحليل مضمون الرحلة

اشارة

(1) كتب" إبراهيم عبد القادر المازنى" هذه الرحلة على غرار ما وجده فى تراثه العربى و الإسلامى، القديم و الحديث و المعاصر له، فهو يدرك أن هذا الفن أحد أنواع الكتابة الأدبية التى تجذب جمهور القراء و المثقفين لأنها من ناحية، نوع من القص الذاتى يتناسب مع طبيعة المقال الصحفى، و هو النوع الأدبى الذى أحبه المازنى و كتب به أكثر كتاباته، فقد كانت المقالة تستوعب ما يكتبه على هيئة مقاله قصصية يناقش من خلالها كل الأمور السياسية و الأدبية و للمازنى أنواع كثيرة من هذه المقالات الصحفية التى يمكن أن نطلق عليها" مقالة قصصية" مثل كتبه،" خيوط العنكبوت"" صندوق الدنيا"" على الماشى" و غيرها.

و تستوعب المقالة القصصية كل كتابات المازنى إذا أخذناها من زاوية أنه يحب الحكاية كتقنية يواصل بها فكرته و هى نتاجات يمكن

ص: 217

أن تحسب على المقالة و يمكن أن تحسب على القص هذا- إلى جانب- نتاجاته الروائية مثل:

" إبراهيم الكاتب"" إبراهيم الثانى"" ثلاثة رجال و امرأة"" عود على بدء"" ميدو و شركاه" ثم" من النافذة"" قصة حياة" أو" سبيل الحياة" بجانب مجموعة كبيرة جدا من القص القصير حوالى مائة قصة، نشرها فى دوريات:

" السياسة الأسبوعية"" البلاغ"" الرسالة" مجلات" شهرزاد"" الراوى"" الرواية"" الثقافة"" الإذاعة"" مسامرات الجيب"" الهلال"" أخبار اليوم"" كليوباترا"" الأخبار".

و قد نشرت هذه القصص فيما بين (14/ 10/ 1932) حتى (25/ 1/ 1947) و هى فترة طويلة تقدر بخمس عشرة سنة فى أخريات حياة المازنى، و هى الفترة نفسها التى كتب فيها المازنى رحلاته فى القالب القصصى و المقالى، و هى الفترة نفسها التى كتب فيها رواياته الخمس آنفة الذكر أيضا، مما يجعل هذه الفترة من إنتاجه، فترة القص و الرواية و المقالة القصصية و الرحلات.

و تأتى رحلات المازنى المتعددة إلى" الحجاز" و" بغداد" و" الصحراء الغربية" و" فلسطين" و الشام و" السودان" متتابعة فى الفترة نفسها و هى- اضافة لما ذكرناه فى تصدير هذا الكتاب- تمثل تنوعات فى الرحلة المازنية و لكنها تعد رحلات هوامش إلى جانب رحلات:-

الحجاز، الشام، العراق، فعندما نعود إلى الدوريات المصرية نجد أن رحلة الحجاز المنشورة (1930) و رحلة السودان المنشورة فى الأساس فى (4 نوفمبر 1948) يحصران التوالى الزمنى لرحلات المازنى كالتالى:-

ص: 218

- رحلتى إلى بغداد (البلاغ) فى (25، 26 فبراير 1936).

رحلة الصحراء الغربية (البلاغ) فى (21 مارس 1936).

رحلة العراق (مجلتى) فى (15 يونيو إلى 15 أغسطس 1936).

رحلة فلسطين (البلاغ) فى (7 مارس 1938).

أيام فى بغداد (بلاغ) فى (20 مايو 1939).

رحلة فى قلبى (الاثنين) فى (11 يناير 1943).

رحلة الشام (البلاغ) بين (11 أكتوبر و 23 نوفمبر 1943).

رحلة العراق (البلاغ) بين 23 يناير، 21 أبريل 1945).

مما يدفعنا للقول بأن الفترة المحصورة بين بداية الثلاثينيات حتى وفاة المازنى (1949) هى فترة الحركة و الرحلة المتوازية مع فترة كتابته للروايات و القصص القصيرة و المقال القصصى الأمر الذى يجعلنا نطلق على الفترة السابقة مرحلة الشعر و نقد الشعر و يعنى هذا تحولا فى تقنية الكتابة و هدف الكتابة و نلاحظ أن المازنى يكتب عن (رحلة فى قلبى) كما يكتب عن أيام فى بغداد بالتقنية نفسها.

و لم يشر المازنى لرحلات العرب و المسلمين فى القديم أو الحديث و لكنه كان على علم بها بالقطع خاصة و هو قريب العهد من كتابات الرواد الأوائل للنهضة أصحاب الرحلات الحديثة مثل رفاعة الطهطاوى و الشدياق و على مبارك و غيرهم، و هم المثقفون الذين خرجوا إلى الغرب بعد نضوب الشرق ليواصلوا تأسيس أمة جديدة تتواصل مع نفسها- تراثيا- و مع حاضرها- علما و ثقافة و كانت

ص: 219

هذه الرحلات المازنية نافذة على الذات المصرية و العربية و على الآخر البعيد المتقدم و من ثم كان الهدف القومى من بواعث و أهداف هذه الرحلات فى الداخل و الخارج فقد شهدت القرون التالية لابن جبير كثيرين من الرحالة الذين أغنوا الأدب العربى و بعض العلوم العربية الأخرى بما كتبوه فى رحلاتهم من أمثال:-" عبد اللطيف البغدادى" و" ياقوت الحموى" و" ابن سعيد" و" العبدرى" فى القرن الثالث عشر و" ابن بطوطة و" ابن خلدون" و" محمد بن رشيد الفهرى الأندلسى" و" محمد التجانى" فى القرن الرابع عشر. ثم رحلة" الظاهرى" و" الملك قايتباى" فى القرن الخامس عشر. و حتى هذا القرن فقد ظل العرب متفوقين فى ميدان الرحلات، إلى أن قامت حركات الاستكشاف الأوربية و كان العرب قد منوا بفترة من التأخر امتدت ثلاثة قرون أو يزيد عم خلالها الضعف و الجهل فى جميع ميادين الحياة و انصرف الكثيرون عن الحياة إلى الزهد، و لم يصلنا خلال هذه القرون شئ ذو بال من الرحلات فقد اقتصرت إلى حد كبير على زيارة" استنبول" عاصمة الخلافة العثمانية أو على الحج و زيارة الأماكن المقدسة الإسلامية و المسيحية و من أبرز هذه الرحلات رحلة سعيد المراكشى"" العياشى" و رحلة" عبد الغنى النابلسى" و رحلة" على الجبيلى" و ظل هذا الجمود العام يطبق على أدب الرحلة فى جملة ما يطبق عليه من حياة الأمة العربية حتى كانت النهضة الحديثة ففتحت على أساسها أبواب أوربا على البلاد العربية 1.

و من ثم جاءت رحلات القرن التاسع عشر الميلادى إلى أوربا استجابة لإعادة الرغبة فى الحياة و لهذا جاءت رحلات رواد النهضة

ص: 220

الحديثة فى القرن العشرين تكمله لرحلات أسلافهم المحدثين و بعد أن استفادت الدول العربية من نتائج هذه النهضة المصرية بخاصة ثم العربية بعامة، خاصة، بعد أن ساهم الشاميون المهجريون بهذا الدور و أعادوا الحياة إلى أدب الرحلة مع الأدباء المصريين و هنا تجمعت روافد فى أدب الرحلة العربية فى القرن العشرين و هى:-

- التراث العربى و الإسلامى.

- تراث الصدام الحضارى فى العصور الوسيطة.

- رحلات القرن التاسع عشر لأوربا.

- كتابات المهاجر و المنفيى و المغامرة التجارية.

- الرحلات داخل الوطن (الإقليم- الوطن العربى).

فكما نرى المازنى يقوم بعدة رحلات و يكتب عنها (فى مصر) شاركه مجايلوه فى هذا النوع من الرحلة مثل رحلات: طه حسين، توفيق الحكيم، حسين فوزى و غيرهم، و نجد فى الوقت نفسه مجايلى هؤلاء الكتاب من الشوام يقومون برحلاتهم من خلال المهجر و العودة إلى الوطن الأم و قد وافق الأمر أنهم جميعا من الرومانسيين الذين دخلوا إلى الحياة الثقافية و الأدبية من منطلق التغيير و التطوير.

و هنا نجد و شائج قريبة بين رحلات إبراهيم عبد القادر المازنى داخل الوطن العربى بخاصة و بين رحلات المهاجرين و على رأسهم صاحب الريحانيات، و من ثم كان أدب الرحلة واحدا من الأنواع الأدبية (النثرية) التى أحياها الجيل الثانى للنهضة فى القرن

ص: 221

العشرين و المقارن بين نتاج القرن العشرين و نتاج القرن التاسع عشر و كتاباته يجدها مشحونة بوصف (الآخر) و الغوص فى تفاصيل حياته اليومية، و منجزاته الحضارية و الثقافة.

أما فى القرن العشرين فقد خف الانبهار بالآخر و حاول الرحالة العرب، و أصحاب كتب الرحلة أن يمدوا أبصارهم إلى الذات لأول مرة دون مقارنة بالآخر (الغريب) المتفوق علينا جميعا فقد اهتم هؤلاء الكتاب بذاتهم من ناحية (و هم رومانسيون ذاتيون بالضرورة) ثم اهتموا من الناحية الثانية بذاتهم القومية و العربية فإذا كانت الريحانيات تصف لبنان تاريخا و جغرافيا فرحلات إبراهيم المازنى تصف العلاقات العربية على المستويين: الإنسانى و الاثنوجرافى.

و هذا ما يتضح فى مقدمة رحلة الشام للمازنى- كما سنفصل بعد قليل و كما هو واضح فى كلمة"" ميخائيل نعيمة" للريحانيات المسماة" قلب لبنان" بقوله كنت بارا بأخيك و بالأدب العربى و بوطنك عند ما أصدرت قلب لبنان ......" 2 فقد أحب الشاميون وطنهم مثلهم مثل بقية العرب و لو لا ضيق هؤلاء بالسلطة التركية المهيمنة لما هربوا من بلادهم إلى أوربا أو أمريكا، أو مصر لقد تعاملوا مع المهجر على أنه المنفى المختار و لم يخف واحد منهم تعلقهم بالوطن الأول و هذا واضح فى كتاباتهم الشعرية و النثرية. و لقد اختلطت مفاهيم السفر، و الرحلة، و المغامرة، و الهجرة، و المنفى فى هذه الكتابات كما اختلطت مفاهيم الوطن و الفردوس و الأمومة متوازية مع الحنين إلى هذا الوطن و قد تم ذلك رغم استفادتهم من مواطن الهجرة فى الثقافة بعامة و الأدب بخاصة حتى سبق إنتاجهم المكتوب أواخر القرن التاسع عشر متأثرا بالأشكال الغربية

ص: 222

و الأمريكية- نظيره فى الوطن العربى كله بما فى ذلك الشام و مصر، بلادهم و وطنهم الثانى.

و كان" أمين الريحانى" (1876- 1940) أكبر هذا الجيل فأخذ مكانه عالية فيما بينهم، أعطوها له عن رضا و اقتناع، فقد سبقهم الريحانى إلى المهجر (و نزلواهم مهجرهم ليجدوه) و قد تعلموا منه جميعا، حتى أن كتابه" الريحانيات" كان أحد معالمهم الثقافية و الوطنية- لابد أن يطلع عليه كل مشتغل بالأدب) كذلك أخذ هذا الكتاب وضعا متميزا فى الوطن العربى كله كما يتضح من الرسائل الريحانية و التقريظات التى كتبت عنه فى الصحف و المجلات و رسائل الأدباء آنذاك و كان موقف الريحانى بالنسبة لجيله، كموقف عبد الرحمن شكرى بين جيله من المصريين كرأس مدرسة، و لكنه كان كالمازنى فى رحلاته الدائبة التى احتلت عمره كله و ليس عشرون عاما من عمر المازنى فقط" أمين الريحانى" رائدا فى جيله، و قد شمل هذا الجيل مجموعة الأدباء الرواد- لأواخر القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين- من الرومانسيين أمثال إيليا أبى ماضى (1890- 1957) جبران خليل جبران (1883- 1931) مى زيادة (1895- 1941) ميخائيل نعيمة (1889- 1958 (عيسى اسكندر المعلوف (-) و غيرهم من شعراء (الرابطة القلمية) أو (العصبة الأندلسية) أو الأدباء المهاجرين إلى مصر مثل خليل مطران (1870- 1949).

ص: 223

(2) و وفق ما صرح به (المازنى) أنه كتب هذا الفصل (و ما تبعه بالتالى) ليعالج (مسألة قومية) و يعنى بها أنه لا يتدخل فى شئون الآخرين و لا يسمح لنفسه أن يكون سفيرا سيئا لبلاده بل يكون سفيرا طيبا و من هذه المسألة القومية يكتب المازنى (رحلة الشام) بعين السفير الثقافى أو الممثل الإعلامى لمصر فى المؤتمر بجانب زملائه الآخرين الذين لم يكونوا أقل تفهما منه لهذه المسألة القومية فقد كانوا جميعا حريصين على سمعة بلادهم و على مشاعر البلد التى نزلوا على أرضها و وسط أهلها.

و يعتقد المازنى أن مصر- كانت خلال هذه الفترة- كتابا مفتوحا للعرب، فقد كانت مصر آخذة فى مرحلة نضال سياسى ضد الاستعمار بكل أنواعه، كما أنها كانت قد سبقت إلى الأخذ بأساليب الحضارة المتقدمة بمشروعها النهوضى فى عصر محمد على و حتى عصر إسماعيل مما جعل مشروع النهضة من ناحية و مشروع التحرر بالنضال السياسى يلتقيان فى رؤية قومية، تحاول أن تشد العرب جميعا إلى التوحد تحت راية قومية عربية لتواجه بها مشاريع التمزيق الأوربية و التركية و من تبعهما من الحكومات العربية آنذاك للبلاد الغربية كمشروع الهلال الخصيب على سبيل المثال.

لهذا نجد الشوام بخاصة- و بسبب ظروف تاريخية أيضا- يدخلون إلى النهضة الحديثة أيضا- شجعهم على ذلك طبيعة المجتمع التجارى البحرى و من ثم كانت الثقافة العربية آنذاك

ص: 224

انعكاسا للواقع السياسى و التاريخى لهذه المنطقة التى كتب لها القدر خلاصها فى توحدها.

و كان سؤال العرب عن أحوال مصر، و أحوال أهلها و مثقفيها سؤالا طبيعيا، لأن قضية التحرر قضية كل العرب و هذا ما جعل العرب يتتبعون الصحف المصرية و الثقافة المصرية و جعل المصريين يتتبعون الصحف العربية ليقفوا على أحوال جيرانهم المشتركين معهم فى المصير و لهذا لم يكن غريبا أن يلقى المازنى أحد الشبان العرب سنة 1930 فى صحراء فاطمة بالحجاز و يتعرف على المازنى و ليس غريبا أن يقابله شيخ بدوى آخر فى رحلته إلى العراق سنة 1936 م، و يسأله عن نتائج المفاوضات المصرية الإنجليزية.

و لقد كتب المازنى استطراداته داخل رحلة الشام من المنطلق نفسه و هى استطرادات عن حكايات فرعية خارج المؤتمر و وقائعه مثل حكاية (سامى الشوا) و نزهة العراقية و فخرى البارودى و حكاية سجن" شكرى القوتلى" و محطة الإذاعة حكاية الدكتور" قدرى بك مع شكرى القوتلى"، ثم التطرق لمسألة السفور و الحجاب من خلال حديثه عن الآنسة الأديبة السورية فلك طرزى.

و هذا ما دعاه أيضا إلى النقد للحزب الشيوعى السورى و لرئيس الحزب و صحفييه ثم هجومه على مسألة تقسيم الحدود و رسمها بين سوريا و لبنان من زاوية وحدة الأرض العربية و السكان العرب الذين تمتد عائلاتهم بين أراضى الشام و العراق جميعا دون اعتبار للأسلاك الشائكة و التقسيم الاستعمارى للأرض العربية دون حساب للتاريخ و الثقافة و العقيدة و الأرض المتوحدة و من هنا شغلت فلسطين مساحة كبيرة، رغم أن الرحلة إلى سوريا بخاصة و هذا ما

ص: 225

دعا المازنى إلى القول" و مصر كتاب مفتوح تقرأه البلاد العربية صفحة و سطرا سطرا و حرفا حرفا، و أن القوم يعرفون أعلامنا واحد واحدا و ما من كتاب ينشر فى مصر إلا و هو يلتهم التهاما فى البلاد العربية أفليس للبلاد العربية أن تنظر إلى المستقبل و تنصرف عن الماضى بخيره و شره؟ و هو قول لا يزال صالحا لكل وقت فما زالت آمال العرب فى النهضة و الوحدة لم تتحقق بعد.

و تمثل فلسطين- تحت الانتداب البريطانى- شوكة فى عنق المازنى لأن هجومه على الاستعمار الإنجليزى فى مصر، انسحبت آثاره على دخوله أو عدم دخوله أرض فلسطين بأمر الأمن العام و مقولات المازنى تنم عن لوم لوضع فلسطين تحت الانتداب و تشعر بأسى و غضب لتحكم الأجانب فى أرضنا و فى أنفسنا يقول" لقد عودتنى فلسطين فى السنوات الأخيرة" أن تردنى عنها و أن تتلقانى متجهمة و لا تأذن لى فى الدخول إلا و هى كارهة متوجسة ...".

(3) و احتل (المكان) أهمية كبيرة فى هذه الرحلة فقد وصف المازنى طبيعة سوريا و لبنان و وصف و عورة الطرق و المسالك عبر الأحراش و الجبال فيما بين البلدين، فتحدث عن جمال دمشق و قال إنها جنة الدنيا فى الوحدة الثانية من الكتاب ثم تحدث عن مصايف الزيدانى و بلودان و بقين ثم شتورة و زحلة ثم اللاذقية ثم نهر البردون و بعلبك و طرابلس و صيدا و بيروت ....... الخ. و إن كان لم ينس الإسكندرية.

ص: 226

و كانت (المعرة) محط أنظاره لأنها مسقط رأس أبى العلاء صاحب الذكرى و قد أعطت سياقات ورود المعرة تداعيات و ذكريات عن المعرى فى حياته و مماته، و قد تفهم المازنى كثيرا من سلوكيات المعرى عند ما رأى الحياة فى المعرة، و قد أشار إلى (الأكل العلائى) و لذلك كانت الرحلة مفيدة من عدة زوايا منها زاوية المكان و ما يوحى به، و ما يراه المازنى فيه بالعين المعاصرة.

و الزمان الضيق المحدد بعدة أيام فى المؤتمر و عدة أيام قبله و بعده حصر المازنى و جعله محددا بحواسه بما رآه و بما استمع إليه و ما أحسه و لكن لأن كتابة الرحلة تمت بعد عودته إلى القاهرة فقد استسلم كعادته إلى الحكايات الفرعية التى تمثل استطرادا يفيد الصورة العامة لكتابه و من ثم فتحت هذه الاستطرادات للزمن فتحات للماضى و الحاضر و المستقبل فقد اختار هو قالب المقال القصصى ليكتب من خلاله صياغته للرحلة و جاءت- من هنا- التقسيمات المتعددة و الكثيرة لرحلة الشام لتتناسب مع نشرها كسلسلة من المقالات فى مجلة البلاغ، و لكنه حين جمعها فى مخطوطة واحدة راعى التسلسل الزمنى فى معظمها و لكنه كان يضيف بعض الوحدات و المشاهد ليضمن أنه أرضى كل الأطراف و تحدث عن العلاقات الإنسانية بشكل يتوازن مع حديثه النقدى فى المؤتمر و المتمثل فى بحثه عن أبى العلاء.

و يتضح هذا التوجه المتوازن بين العلاقة الإنسانية و العلاقة النقدية عند مراجعة ما كتبناه بعد نهاية نص كتاب رحلة الشام أعنى التعريف بالشخصيات المهمة و الفهرست التفصيلى لموضوعات الرحلة.

ص: 227

(4) لهذا خصص المازنى المقدمة لبيان أهمية العلاقات العربية، و خاصة علاقة مصر بشقيقاتها العربيات،، ثم جعل الوحدة الأولى لبيان أسباب السفر و دواعيه و كيفية اختيار موضوع البحث و خطورة المشاركة مع هذه الكوكبة من المثقفين و العلماء و الأدباء، و هم أعلام فى تخصصاتهم و أوطانهم على نحو ما بين فى مقدمة ثبت التعريف بالشخصيات و فى الوحدة الثانية كما لابد أن يتعرض لطريق السفر و طريقتهم فلم يترك تفصيلة إلا ذكرها داخل المطار و الطائرة و ما صادفه فى طريقه إلى القدس من صعوبات لم تمكنه من دخول المدينة المقدسة رغم نزوله فى منطقة (اللد) فى مطار المزة) و تنتهى الوحدة الثانية بوصوله متعبا إلى دمشق لينزل بالفندق المخصص لأعضاء المؤتمر.

و خصص الوحدة الثالثة لليوم الأول من الزيارة، و هو يوم التحضير للمؤتمر و من هنا كان تعريجه على موضوعات خارج مبنى الفندق حيث خرج إلى الشارع ليرى الحياة السورية اليومية فى واقعها و هذا ما دعاه للتعرض لغلاء السلع و الخدمات فى سوريا آنذاك و كغيره من (الرحالة) قارن بين الحياة الاقتصادية السورية و المصرية.

و يكمل فى الوحدة الرابعة ثلاث زيارات مهمة" لنزهة العراقية"،" فخرى" و خلطها بحادثة عزف" لسامى الشوا" فى شوارع دمشق و شهرة سامى الشوا آنذاك لم تحتج لتوضيحات عنه، و لكنها ساعدت فى أمرين:

ص: 228

الحديث عن عازف مصرى، و مطربة عراقية هواة الموسيقى و الغناء السوريين كما ساعدت فى بيان استمرار زيارات الفنانين للبلاد العربية و لسوريا و العراق بخاصة فى الزمن البعيد عنا بنصف قرن و تأتى الوحدة الخامسة ليخرج فيها المازنى من دمشق كلها ليرى مصايف سوريا.

ثم يعود فى الوحدة نفسها ليصور الزيارات الرسمية التى قام بها وفد المؤتمر و فيه الوفد المصرى بالضرورة و هنا انتهز الفرصة لبيان حفاوة المجلس النيابى السورى و مجلس الوزراء السورى بالوفد المصرى بخاصة.

و لم ينس فى هذه الوحدة أن يحتفى هو بطه حسين و أحمد أمين، و أحمد الشايب و بقية الوفد الرسمى لمصر و أن يتعرض بالثناء لقائد سوريا شكرى القوتلى و رفاقه السوريين مما جعل هذه الوحدة (الخامسة) صورة مشرقة للعلاقات الثقافية النبيلة، سواء أكانت المصرية المصرية أو العربية العربية أو المصرية العربية.

و تبدأ وقائع المؤتمر فى الوحدة السادسة حيث صور المازنى ما تم فى الجلسة الافتتاحية مركزا على بساطة و حياء المثقفين العرب جميعا مثقفين و صحافيين و ساسة، و لم ينس المازنى أن يذكر تفصيلات مهمة عن بعض هؤلاء المشاركين.

و استغرقت الوحدة السابعة فى الأكلة العلائية و طريقة الوصول إلى المعرة و المبيت فى حلب بعد مغامرات صعبة فى الطريق و قد وصف المازنى الطريق و ما صادفه فيه، و أكمل الوصف فى الوحدة الثامنة حيث خرج مع بعض أصدقائه إلى الحدود الفلسطينية ليلقى

ص: 229

أحاديث فى محطة إذاعة الشرق الأدنى و لكنه عاد دون أن يدخل بسبب منع الأمن العام له، مما جعله يعود إلى دمشق و منها و بمساعدة القنصل الإنجليزى- استقل الطائرة إلى مصر و هنا يتضح أن المازنى يعرج فى الزمن و لا يسير به فى خط مستقيم لأنه سيعود مرة أخرى و فى الوحدة التاسعة إلى وصف زيارته للدكتور بشر فارس فى شتورة و استماع قصيدة لعمر أبى ريشة و التعرض لموضوع الحدود بين سوريا و لبنان.

و نراه فى الوحدة العاشرة و قد عاد مرة أخرى إلى حديث الصحافة و الأحزاب و حديث زيارة فلسطين من خلال حدودها مع سوريا و واضح أن التكرار وارد من مسألتين الأولى: الاستطراد و التداعى، الثانية: تقنية المقالة القصصية. و يخصص المازنى الوحدة الحادية عشرة للحديث عن الأمير مصطفى الشهابى و محافظة اللاذقية و قد أعطاه المازنى مساحة كبيرة من الاهتمام و دائما ما يؤثر المازنى وصف الطريق بين المحافظات و وعورتها.

كما يخصص المازنى الوحدة الثانية عشرة لحادث جزئى حدث خارج المؤتمر و أعنى به التقاء المازنى و الجابرى اللذين تباريا فى النسيان، مما أتاح الفرصة للمازنى ليكمل حديثه عن ظاهرة النسيان فى حياته كما يعود فى الوحدة الثالثة عشرة للحديث عن فخرى البارودى و مدينة حلب و قلعتها حلب كما عاد للحديث عن الغناء بذكر واقعتين الأولى مع سليمى باشى و الثانية فى بيته القديم بحى الصليبية و قد خصص الوحدة الخامسة عشرة لبدوى الجبل شاعر سوريا.

و يعود فى الوحدة السادسة عشرة للحديث عن نضال" شكرى القوتلى" و حكايته مع قدرى بك و يعود فى الوحدة السابعة عشرة إلى

ص: 230

الحديث عن صحافة الشام، و اللغة العربية و روح العربية فى لغة الصحافة المصرية و الشامية و ينتهى فى الحلقة الأخيرة إلى ما بدأ به فيصف قاعة الاحتفالات بالجامعة السورية مختتما، بحديث مهم عن سفور المرآة و حجابها.

و واضح أننا استخدمنا لفظة (و يعود) كثيرا لأنها أصبحت سمة للنصف الثانى من رحلة الشام، و كأن المازنى يكتب و ينسى أو يكتب ليحور و يضيف ما يمكن أن يساعد فى رسم الصورة الحقيقية للشام و للمؤتمر و إنه إلحاح يشير إلى أهمية المواضيع التى يعود إليها كثيرا.

و واضح أيضا أن المازنى لا يكتفى بالرد و الإخبار بل يعمد- أحيانا- لإثارة القضايا و التساؤلات حول بعض المواقف أو الشخصيات و أحيانا يناقش قضايا نظرية بسبب مشهد رآه أو لا حظه و هو- على أية حال- يظهر محبا للشام و لفلسطين بخاصة، محبا لبلاده و لتراثه، فلم نر فى هذه الرحلة ذما أو هجوما على أحد، اللهم إلا على الأمن العام فى فلسطين تحت الانتداب.

هوامش الفصل الثانى

______________________________

(1)- حسنى محمود حسين، أدب الرحلة عند العرب دار الأندلس للطباعة و النشر و التوزيع بيروت الطبعة الثانية 1983. ص 41- 15.

(2)- أمين الريحانى قلب لبنان دار الكتاب اللبنانى بيروت الطبعة الخامسة 1975. ج 1 ص 13.

ص: 231

ص: 232

قائمة المراجع

اشارة

المراجع العربية:

1- ابن بطوطة- رحلة ابن بطوطة- دار الكتاب اللبنانى، مقدمة مهذب رحلة ابن بطوطة للمرحومين أحمد العوامرى، و محمد أحمد جاد المولى.

2- ابن حبير، رحلة ابن حبير- دار الكتاب اللبنانى، مقدمة محمد مصطفى زيادة، بدون.

3- أبو تمام، ديوان أبى تمام، ج 2، دار المعارف القاهرة، 1983.

4- امرئ القيس، ديوان امرئ القيس تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف ج 1. الرابعة.

5- أمين الريحانى، قلب لبنان، دار الكتاب اللبنانى، بيروت، ط 1، 1975

6- توفيق الحكيم، يا طالع الشجرة، مكتبة الآداب، 1976.

ص: 233

7- حسنى محمود حسين، أدب الرحلة عند العرب، دار الأندلس بيروت ط 2، 1983.

8- حسن محمد فهيم، أدب الرحلات، سلسلة عالم المعرفة، رقم (138) الكويت يونيو 1989.

9- سيد حامد النساج، مشوار كتب الرحلة، مكتبة غريب- 1992. شوقى عبد القوى عثمان تجارة المحيط الهندى فى عصر السيادة الإسلامية- (41- 904 ه) (661- 1498 م) سلسلة عالم المعرفة (151) الكويت يوليو 1990.

10- شوقى ضيف الرحلات، دار المعارف، القاهرة الطبعة الرابعة 1978.

11- عبد المحسن صالح: التنبؤ العلمى و مستقبل الإنسان، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ديسمبر 1981.

12- عمرو بن كلثوم، المعلقة، فى شرح القصائد التسع المشهورات لأبى جعفر النحاس، تحقيق أحمد خطاب القسم الثانى وزارة الإعلام بغداد، 1973.

13- فؤاد زكريا، التفكير العلمى، سلسلة عالم المعرفة، عدد مارس 1978.

14- قاسم عبده قاسم، ماهية الحروب الصليبية، سلسلة عالم المعرفة- الكويت رقم (149) مايو- 1990.

15- ياسين إبراهيم على الجعفرى" اليعقوبى" المؤرخ و الجغرافى سلسلة دراسات رقم" 213" منشورات وزارة الثقافة و الإعلام بغداد، 1980.

ص: 234

المراجع المترجمة إلى العربية.

1- إيان واط، نشوء الرواية، ترجمة عبد الكريم محفوظ، منشورات وزارة الثقافة سوريا- 1991.

2- بوندار يفسكى، الغرب ضد العالم الإسلامى، من الحملات الصليبية حتى أيامنا- ترجمة إلياس شاهين دار التقدم- الاتحاد السوفيتى- موسكو- الطبعة الأولى 1980. خلدوف، الثقافة الكتبية، دراسات فى تاريخ الثقافة العربية، ترجمة موسكو 1990.

3- روبير اسكاربيت، سوسيولوجيا الأدب، ترجمة آمال أنطون عرمونى، منشورات عويدات بيروت باريس الطبعة الثانية 1983.

4- سكيز، تكنولوجيا السلوك الإنسانى ترجمة عبد القادر يوسف سلسلة عالم المعرفة عدد أغسطس- 1980.

5- شوموفسكى: الإبحار العربى، ضمن كتاب دراسات فى تاريخ الثقافة العربية القرون (5- 15 ه) رجمة ايمن أبو شعر، دار التقدم، موسكو 1989.

الدوريات

1- عصام بهى رواية الخيال العلمى، مجلة فصول، عدد سبتمبر- 1984.

2- رؤوف وصفى، أدب الخيال العلمى، مجلة آفاق عربية بغداد، عدد يناير- 1984 م.

ص: 235

3- مجلة الجديد الصادرة فى: (1 فبراير) 15 مارس) (15- 1 أبريل)، (15 مايو) (15 يوليو) (15 أغسطس) عام 1974.

4- مجلة مجمع اللغة العربية فى ثلاثين عاما، ج 2، كتاب تذكارى أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

5- محمد حافظ دياب،

6- سوسيولوجيا الأدب، مجلة المنار، العدد 57.

المعاجم

1- ابن منظور المصرى، لسان العرب ج 3، دار المعارف.

2- يوسف اسعد داغر، مصادر الدراسة الأدبية، دار صادر، بيروت 1965.

3- ببليوجرافيا حمدى السكوت، و مارسدن جونز، أعلام الأدب المعاصر فى مصر ج 2، إبراهيم عبد القادر المازنى، قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة دار الكتاب اللبنانى بيروت، ط 2، 1987.

المراجع الأجنبية

1- Jean duvijnoud, sociolojie de L art prerses universitaire de france, 7691.

ص: 236

إبراهيم عبد القادر المازنى (1889- 1949 م)

اشارة

ولد إبراهيم عبد القادر المازنى عام 1889 بالقاهرة.

حصل على شهادته العالية من مدرسة المعلمين العليا سنة 1909 م.

عمل بالتدريس فى المدارس الحكومية و الأهلية.

عكف على دراسة الأدب العربى. ثم أقبل على الأدب الإنجليزى و استطاع من خلاله الأطلاع على آداب الغرب.

عمل بالصحافة المصرية منذ أوائل القرن العشرين حتى وفاته عام 1949 م.

اختير عضوا فى جميع اللغة العربية قبل وفاته بعامين تقريبا.

أهم مؤلفات المازنى:

أولا: الشعر:

- ديوان المازنى.

ص: 237

ثانيا: كتب النقد:

- شعر حافظ.

- الشعر غاياته و وسائطه.

- حصاد الهشيم.

- قبض الريح.

- رحلة الحجاز.

- قصة حياة.

- بشار بن برد.

ثالثا: الروايات و المسرحيات و القصص.

- إبراهيم الكاتب.

- إبراهيم الثانى.

- ثلاثة رجال و امرأة.

- عود على بدء.

- ميدو و شركاه.

- غريزة المرأة أو حكم الطاعة.

- صندوق الدنيا.

- خيوط العنكبوت.

- فى الطريق.

- ع الماشى.

- من النافذة.

- أحاديث المازنى.

- مختارات من أدب المازنى.

ص: 238

- سبيل الحياة.

- مجموعة قصص لم تنشر من قبل.

رابعا: الأعمال المترجمة:

و هى أعمال كثيرة بعضها أدبى و بعضها قضائى و عسكرى،، هى:

- ابن الطبيعة (أزبياشيف).

- الكتاب الأبيض (وثائق تصريح 28 فبراير 1922).

- مختارات من الأدب الإنجليزى.

- جريمة اللورد سافيل (أوسكار وايلد).

- حكم المقصلة (روفائيل ساباتينى).

- الآباء و البنون (تور جنيف).

- آلن كوترمين (ريد حجرد).

- مدرسة الوشايات (شريدابد).

خامسا: مقالات و أعمال فى دوريا.

- السياسة المصرية بين الحربين العالميتين.

- قضية فلسطين.

- فى النقد النظرى.

- فى النقد التطبيقى.

- شخصيات فى الأدب و السياسة.

- مشكلات و قضايا يومية.

- الثقافة و التعليم و الإعلام فى مصر.

- شعراء العرب فى العصر العباسى.

- السيرة الذاتية للمازنى.

ص: 239

الفهرس

شكر و تقدير 5

بين يدى القارئ- رحلة الشام 7

تصدير 13

لماذا هذه الطبعة (حول نص الرحلة و طريقة تحقيقها) 19

القسم الأول: أصول أدب الرحلة و تحولاته 25

الفصل الأول: الرحلة تاريخا و جغرافيا و لغة 29

دلالات المصطلح 47

هوامش الفصل الأول 57

الفصل الثانى: الخصائص الفنية لأدب الرحلة 59

هوامش الفصل الثانى 71

الدراسة التحليلية لرحلة الشام 73

مقدمة الرحلة كما وضعها المازنى 75

تكليف المازنى بالسفر (كيف اختار موضوع البحث) 79

الطائرة و المطار و الركاب 83

محطة القدس 85

ص: 240

وصف الحياة فى دمشق 89

حكاية سامى الشوا 93

حكاية نزهة العراقية 95

حكاية فخرى البارودى 97

مصايف سوريا 99

أربعة و أربعون عضوا فى المؤتمر 105

أكلة علائية 111

الأمن العام فى فلسطين ضد المازنى 121

الصحافة و الأحزاب 129

حديث عن النفس 137

مدينة حلب 143

تواضع الساسة السوريين 149

حديث عن بدوى الجبل 155

عودة لنضال شكرى القوتلى 161

حديث عن صحافة الشام 165

ثبت تعريف بالأعلام الواردة فى هذا الكتاب 175

مقدمة حول أهمية التواصل مع هؤلاء الأعلام 177

ثبت تعريف بواحد و خمسين عالما 185

ثبت الأعلام كما وردت فى رحلة الشام 211

فهرست تفصيلى للأفكار و الموضوعات 214

الفصل الثانى: تحليل مضمون الرحلة 217

قائمة المراجع 233

تعريف بالمؤلف 237

ص: 241

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.